شموس صغيره

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد

قال الأحنف بن قيس في الولد ( ثمارُ قلوبنا ، وعمادُ ظهورنا ، ونحن لهم أرضٌ ذليلة ، وسماءٌ ظليلة ، وبهم نصولُ على كل جليلة ، فإن طلبوا فأعطهم ، وإن غضبوا فأرضهم ، يمنحونك ودّهم ، ولا تكن عليهم قفلا ثقيلا فيملّوا حياتك , ويودّوا وفاتك ، ويكرهوا قربك )
.
الأبناء نعمة من الله تعالى تملأ النفوس بهجة وتضفي على الحياة معنى .

وأحسّ في خَلَدي تلاعبهم *** في الدار ليس ينالهم نَصَبُ

إنهم نعمة تنشر السعادة في القلوب والأركان والأزمان .

في كل ركن منهم أثر *** وبكل زاوية لهم صخَبُ

إنهم ابتسامة حلوة في زحام الأحداث ، يبدأ معها الأمل نحو مستقبل أكثر دفئا ، ويبدأ معهم السعي أكثر اجتهادا وإقبالا .

ويكمن في نفوس بعض الآباء والأمهات جهل عميق بحقيقة هذه النعمة والتعامل معها ، فيعُدّون أبناءهم توابع لهم كأقمار هي توابع للشموس ، لا تبعث الدفء ولا ترسل

النور إلا انعكاس ما تضفيه عليها تلك الشموس .. ولذلك ... لا يقبلون لهم رأيا ، ولا يأخذون منهم مشورة ، ولا يرغبون منهم طلبا ... فلا يتلمّسون مواقع آمالهم وجوانب

آلامهم ، ويجهلون بذلك مستوى أفكارهم وأخلاقهم ، وينسون أنهم شموسٌ صغيرة سيأتي زمانُها ، لتُشعّ النور وتضيء الحياة ، فتبعث الدفء ، وقد يحتاجونها عند الكِبَر ... فلا يجدونها لِِما تملّكها من تمرّد ... وما صنع هذا التمرّد سواهم .

أقصَوهم منْ حياتهم باستبداد آرائهم وعمل ما طابت به نفوسهم ، غيرَ مراعين لظروف غيرَ ظروفهم ، ولا لرغبات سوى رغباتهم التي ضاعت من خلالها آمال الأبناء وخابت معها أحلامُهم ، فلم يُمْنحوا إلا نصائح مجردة من القدوة ، وما نالوا من الأدب إلا ضرب العصا
.
روى البخاري في الأدب المفرد عن عائشة رضي الله عنها قالت : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أتقبّلون صبيانكم ، فما نُقبّلهم ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أوَ أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة ؟ )) .

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم