منتديات ايجي نت


> >


منتدى ايجى نت الاسلامى .: منتدى خاص بالمواضيع الاسلامية وعلوم القرأن الكريم والمحاضرات والخطب الاسلامية :.

  #1  
03-05-2014, 06:11 AM
التعزير بالمال عند المماطلة في تسديد الديون والفواتير

التعزير بالمال عند المماطلة في تسديد الديون والفواتير


التعزير بالمال عند المماطلة في تسديد الديون والفواتير

وبيان من يأخذ الربح عند المماطلة والغصب


بسم الله وبعد:فهذا مبحث حول ما يسمى بالشرط الجزائي أو حكم الغرامة أو التعزير بالمال جراء تأخير الغنيّ الواجد والمماطل سدادَ دينه، أو فاتورته، ومن ثَمَّ تعطيله لمصالح دائنه، وبيان من يأخذ الربح المتولد من ذلك الاستعمال من طرف الغاصب لمال مغتصبه، أَهَلْ يأخذه الغاصب أو المغصوب أو يقتسمانه مشاطرة بينهما؟ أم غير ذلك؟وقد قسمته إلى المطالب التالية:المطلب الأول: أنواع الشرط الجزائي: هي ثلاثة والله أعلم:أولا: الشرط الجزائي مقابل التأخير في تنفيذ الأعمال: وهذا قد أُجيز بشرط أن لا تكون هنالك ظروف قاهرة تعيق المقاول عن أداء عمله في وقته المحدد؛ لأن المسلمين على شروطهم.والثاني: الشرط الجزائي مقابل التأخير في تسديد القروض كما سيأتي.والثالث: الشرط الجزائي مقابل التأخير في الديون الناتجة عن البيوع أو الإجارة.ويدخل في هذا الغرامة المترتبة عن تأخير سداد فواتير الكهرباء والماء والغاز ونحو ذلك كما في:المطلب الثاني: حكم الغرامة المترتبة على تأخير سداد الفواتير:ينبغي الإشارة إلى أن بعض الدول المتقدمة تعتمد في تسديد أجور الكهرباء ونحوها على بطاقة شحن تحتوي على رصيد، بحيث يذهب الزبون أو المستهلك ليشتري بطاقة فيها رصيد فإذا نفذ رصيده اشترى رصيدا آخر وهكذا، وإن لم يشتر قُطع عنه التيار، وهذه معًاملة لا شبهة فيها، وليتها تُعمم حتى يُزال الإشكال.لأنه في غيرها من البلاد - كبلادنا - فتعتمد على الاشتراك الشهري، بحيث تبعث الشركة للزبائن أوراقا تطالبهم فيها بدفع استحقاقاتهم، وتحتوي على حساب كمية الاستهلاك وثمنها، ثم تُدفع تلكم الأوراق إلى المواطنين، كإشعار لهم بأن المدة قد حانت، وأنه حان وقت تسديد الأجر في أجل أقصاه خمسة عشر يومًا، فمن تأخر أُضيفت عليه غرامة زائدة مقدارها ثلاثمائة دينار وهكذا.فهنا هل يمكن تخريجها على بيع التقسيط، بحيث تشترط تلك الشركات أن يُدفع المبلغ المُستحق في أجل أقصاه مثلا خمسة عشر يومًا، فمن تأخر فإنه فيزيد كذا - مبلغا إضافيا -.والإشكال المطروح: أن العلماء اشترطوا في جواز بيع التقسيط:أن يكون الثمن واحدًا والأجل أيضًا واحدًا ومعلومًا قبل أن يتفرقا، كأن تقول الشركة: إما أن تدفع الآن حالا مائة، أو نؤجلك خمسة عشر يومًا لكنك تدفع مائة وثلاثين، فإن هذه الصورة لا إشكال فيها أنها من التقسيط الجائز.لكن في الصورة السابقةِ المعمولِ بها تُمهلُ الشركةُ المواطنين آجالا متعددة، خمسة عشر يومًا بلا زيادة، ثم بعدها تبدأ الزيادة.ثم أن هذه الزيادة إما أن تكون واحدة في مطلق التأخير، أو تكون متعددة كل خمسة عشر يومًا يدفع المتأخر ثلاثمائة دينار وهكذا.فهل هذا الأجل المطلق في تلك المدّة الأولى بلا زيادة يُبطل بيع التقسيط؟ لأن العلماء يشترطون في جوازه أن يكون الأجل واحدًا وكذا الثمن الزائد واحدًا.أم يقال بأن هذه الزيادة هي غرامة ناتجة عن المماطلة في تسديد الدين، لكن العلماء يشترطون جواز في الغرامة أن تكون من غني مماطل، وأما هذه الشركات فالفقير المُعدم والغني الواجد عندهم سواء في غرامة التأخير.وهبْ أنها عملت بالتفريق بين الغني والفقير، فيبقى ههنا إشكال ثان وهو:منذ متى يبتدئ احتساب بدأ العقد: هل بوصول ورقة أو إشعار دفع السداد إلى المواطنين؟ أم بذهابهم إلى الشركة لأجل التسديد؟والجواب هو الثاني؛ لأن وصول تلك الورقة هو مجرد إشعارٍ للمواطنين بوصول وقت السداد، وإعلامهم بأن لديهم فُسحة طيلةَ خمسة عشر يومًا حتى يَذهب الزبون للشركة ليسدد مستحقاته.ثم إن المواطن إن ذهب إلى الشركة أو وكيلها لدفع السداد فإنه من ههنا يبدأ وقت احتساب العقد.وعليه: ففي هذه المسألة إذًا احتمالان:أحدهما: فيه نظر بأن تشترط أو تقول الشركة للمواطن الذي يقدم إليها قبل انتهاء أَمَدِهِ: لك أن تدفع حالا الآن، أو إلى الأجل المحدد طيلة الأيام القادمة بلا زيادة - وهي آجال -، فإن انتهى الأجل ولم ترجع زدنا عليك مبلغا إضافيا، فهنا ما زال الأجل متعددًا وقد منع العلماء من ذلك.وأما الاحتمال الثاني: فهو جائز بلا إشكال، ويمكن من خلاله الخروج من الإشكال السابق والله أعلم:بحيث تذكر الشركة في شروطها: بأنه لحظة وصول المواطن إليها طيلة ذلك الأمد، فإنه منه يبدأ احتساب العقد، أو تُحَدّد الشركة له يومًا معينا ليأتي فيه.فإذا قدم المواطن: تشترط الشركة عليه أو تقول له - صراحة أو ضمنا -: إما أن تدفع الآن حالا، أو نُرجئك إلى أجل لكن بمبلغ زائد، وبالتالي يكون المواطن على علم بهذا الشرط، فله أن يختار إذًا بين الذهاب في الوقت المحدد لتسديد الدين بلا زيادة، فإن تأخر فهو على علمٍ ورضا ببيع التقسيط واحتساب الزيادة عليه والله أعلم.ثم هذه الزيادة كما ذكرنا لها حالتان:أولا: أن يكون الأجلُ واحدًا، والثمن الزائدُ واحدًا، كأن تقول الشركة: إما ان تدفع حالًا ما استهلكته مما هو مستحق عليك، أو تتأخر وتزيد ثلاثمائة دينار مقابل مطلق التأخير، وهذا الشرط لا يخالف بيع التقسيط.ثانيا: أن يكون الأجل والثمن الزائد متعددًا، وأظنه مشترطًا ومعمولًا به في تلك الشركات، بحيث يدفع ثلاثمائة دينارًا مقابل كل خمسة عشر يومًا، وهذا أيضًا قد يُخَرَّج على مذهبين - والله أعلم -:أولاهما: وهو التحريم؛ لأن هذا الشرط مخالف لما اشترطه عامة العلماء من كون الثمن والأجل واحدًا فقط.والثاني: وربما قد يُخَرّجه من قد يُجيز هذه المعًاملة على مسألة أخرى وهي: الشرط الجزائي مقابل التأخير في تسديد القرض والديون"، فإن هذا الشرط نفسه يندرج ضمن مسألة التعزير بالمال، وقد اختلف العلماء في هذه العقوبة المالية، فمنعتها طوائف من العلماء وألحقتها بالربا، وأجازتها طوائف أخرى بشروط، وفرقوا بينها وبين الربا كما سيتبين في:المطلب الثالث: أهم الفروق بين الربا، وتغريم المماطل:ذلك أن تلك الفائدة الربوية المحرمةَ يتوفر فيها ما يلي:• أن الزيادة الربوية مشروطةٌ منذ ابتداء العقد، وأما التغريم فلا.• أن الزيادة الربوية مشروطة على الموسر والمعسر سواءٌ، بل عامة الربا مبني على استغلال حاجة الفقراء والمحتاجين، وأما التغريم فلا يحل على المُعسر أبدًا.• أن الزيادة الربوية تكون في مقابل تأخير الأجل، وأما التغريم ففي مقابل الظلم والمماطلة.. كما سيأتي.• أن الربا مبني على التراضي بين الطرفين على تلك الزيادة، وأما التغريم فلا يقبله المماطل الظالم لأن مقصوده الربح والاستحواذ على المال.كأن يقول الدائن المرابي: " أُقرضك مائة وسدد لي بعد مدة مائة وعشرين "، ويقبل الآخر.بخلاف مسألة التغريم فإنه يقول: أقرضك مائة لأجل معين، وسدد لي مالي فقط إذا بلغ الأجل.ثم إن حل الأجل وكان معسرًا أنظره ولا بد كما في القرآن، وإن كان موسرًا ولم يُسدد بل ماطل وكذب فقد خالف الشرط وتعدى وظلم وخان وصار من المغتصبين، والمغتصب والخائن ظالم ضامن ولو لم يرضَ.ثم أن هذه الغرامة لا تكون مقابل تأخير الأجل كما في الربا، بل في مقابل الظلم والكذب وإخلاف الشروط والمماطلة والإضرار بالدائن مع عدم رضاه بذلك كما بينا.فإن قيل: بأن أصحاب الربا قد يحتجون بتفويت المصلحةِ مِنْ مَالِهِم أيضًا، قيل عنه: في القرض والربا فإن المُقرض هو الذي تنازل وسمح بقرض ماله إلى غيره طيلة مدة محددة، ولذلك يحرم عليه طلب الزيادة، بخلاف ما لو انتهت المدة المشروطة فإن الدائن لم ولن يسمح باستعمال ماله، لعلمه بأنه سيحتاج إلى مالِهِ في ذلك الوقت، فإذا تماطل عنه المدين فقد ألحق به الضرر ماديا ونفسيا.ولو علم هذا الظالم بأن من تمام الإحسان إلى مُقرضه أن يرد له قرضه وزيادة شرط ألا يشترطا ذلك ابتداءً، كما فعل نبي الإسلام، فإنه كان يوفي ويُحسن ويشكر صاحبه لا أن يظلمه.وكذلك قبل أن يسدد له دينه فلا يحل له أن يُهديه شيئًا حتى يُلينه أو يرْشُوَه ليصرفه عن طلب حقه.وإذ قد تقرر أنّ الغنيَّ المماطلَ مغتصبٌ وخائن فهو إذًا ضامن غارم كما ذكر العلماء.ولا يُعقل أن يقف الإسلام مع هذا الظالم لِيعمل ويُتاجر ويمرح بمال غيره ويربح به، بينما صاحب المال وهو الفاعل للخير المحتاج ليعمل بماله، ثم نقول له: اصبر فقط حتى يرجع لك رأس مالك، بينما يبقى ذلك الظالم الخائن المماطل يتنعم فيه ويفرح ويتلاعب! أهذا هو جزاء الإحسان؟!المطلب الرابع: الاختلاف في التعزير بالمال - الشرط الجزائي- مقابل التأخير في سداد الديون:لا يخلو أمر المدين من أن يكون موسرًا أو معسرًا كما أسلفنا، فإن كان معسرًا وجب إنظاره إلى ميسرة بالإجماع، وإن كان غنيًّا موسرًا، وحل الوقت ولم يُسدد دينه فقد خالف الشرط والوعد، فهو ظالم متعد مغتصب بالإجماع.ولذلك سيكون الكلام هنا عن هذا المماطل الظالم المتعدي الآخذ أموال غيره بالباطل، وأحواله:ذلك أن هذا الواجدَ الظالم المماطل لا يخلو من حيث استعمالِهِ لمال دائنه بعد نفاذ الأجل من أمرين:أحدهما: أن يستعمل هذا المال الذي تحوّل من دين مباح إلى غصبٍ حرامٍ استغلالا شخصيا تذهب معه تلك العين، أو يُبقي ذلك الدين عنده فلا يستعمله أبدًا، ففي هذه الحالة يعاقب المماطل بالتعزير البدني أو المالي فقط، ولا يضمن الربح إذ لا غلة ولا ربح في هذا المال والله أعلم.قال البهوتي: " ولا يُضمَن ربحٌ فات على مالك بِحَبْسِ غاصبٍ مال تجارة مدة يمكن أن يربح فيها، إذا لم يتجر فيه غاصب ".والأمر الثاني: أن يقوم هذا المماطلُ باستثمار ذلك المال أو يخلطه مع ماله التجاري، فيتولد من ذلك أرباح وغلات أخرى، وهذا هو الغالب من صنيع هؤلاء الظلمة المماطلين، وربما يَدخل في ذلك من له مال ليُسدد دائنه لكنه يرفض ذلك، ويبقى يتجر بماله هو بينما يترك دائنه ينتظر أيضًا.وقد أجمع السلف على أن مال هذا المماطل هو مال محرم يُلحق بالمال المغصوب.والمال المحرّم المغصوب وما توالد عنه له أحكام وعقوبات وشروط توبة عند السلف:فمن شروط توبته أن يُرجع الحقوق وما توالدت عنه لأصحابها كما سيأتي في حديث أصحاب الغار الثلاثة.ومن ذلك أن المماطل يستحق عقوبة التعزير، وقد اتفق السلف على تعزيره بالسجن واختلفوا في تعزيره بالضرب أو المال، وسنتكلم الآن عن الاختلاف في التعزير بالمال – خاصة الناتج عن تأخير القروض.القول الأول: المنع: خاصة في باب القروض كما هنا، وذلك سدا لذريعة الربا المحرم.كما أن من منع من العقوبات المالية فإنه يمنع هنا أيضًا والله أعلم، وإنما منعوا من ذلك كما قالوا سدا لذريعة الربا وليلَّا يتسلط الحكام على أموال المسلمين، وفي الحقيقة هذا استدلال ضعيف، وإلّا فليمنعوا أيضًا من عقوبة السجن والتعزير بالضرب ونحو ذلك، حتى لا يتسلط الحكام أيضًا على أبدًان المسلمين ضربا أو سجنا، وهذا كلام يُعطل عقوبة التعزير التي جاء الإسلام بها وأجمعت عليها الأمة.إن العلماء الذين أجازوا التعزير بالمال لم يفتحوا هذا الباب على مصراعيه للحكام ولا لغيرهم، بل جعلوا في ذلك شروطا وضوابط كثيرة معروفة عند العلماء.القول الثاني: الجواز بشروط: وذلك لوجود الفروق الكثيرة بين الربا وتغريم الظالم، كما سبق:
قال البرزلي في فتوى له واصفا ما حدث في بوادي إفريقية وما غلب عليهم من غش وخيانة وأكل للأموال: "... غلب عليهم الجهل... وأخْذُ الأموال بالخيانة والغش والحرابة والمعًاملات الفاسدة، أن يُفعل بهم ما يقطع هذه المفاسد، من التعرض لبعض مال الجناة وبدنه وسجنه عقوبة له، فيُوقف من ماله ما يحسم به مادته، إما بإعطائه للمجني عليه، أو يرد عليه إن حسنت حالته، أو يُوضع في بيت المال أو يُتصدق به.."، ثم نسب هذا القول للمالكية، لكن المالكية لم يزالوا كغيرهم من المذاهب مختلفين في مسألة الغرامة المالية، والعجب أن هذه المسألة فيها خلاف كبير، ومع ذلك يرد بعضٌ على بعضٍ، كلٌّ بنقل إجماع يؤيد مذهبه، وهي من المسائل الاجتهادية.وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في الاختيارات (120) في عقوبة المماطل: "... ومن كان قادرا على وفاء دينه وامتنع أجبر على وفائه بالضرب والحبس، ونص على ذلك الأئمة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم... "، ثم ذكر العقوبات المالية فقال: " وللحاكم أن يبيع عليه ماله ويقضي دينه ولا يلزمه، وإذا كان الذي عليه الحق قادرا على الوفاء ومطل صاحب الحق حتى أخرجه إلى الشكاية فما غرمه بسبب ذلك فهو على الظالم المبطل إذا كان غرمه على الوجه المعتاد "، ثم قال: " ولو كان قادرا على أداء الدين وامتنع ورأى الحاكم منعه من فضول الأكل والنكاح فله ذلك، إذ التعزير لا يختص بنوع معين، وإنما يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم في نوعه "، ومذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم معروف وكثير في إجازتهما العقوبات المالية.وسيأتي عن شيخ الإسلام أنه جعل حتى غلة وربح ذلك الدين والمال المنهوب إن عمل به الغاصب فإن المغصوب المظلوم هو الذي يأخذه، أو يُقسم بينهما.وقال الشيخ عبدالله بن منيع من المعًاصرين: " القول بضمان ما فات من منافع المال نتيجة مطل أدائه لمستحقه قول تسنده قواعد الشريعة وأصولها، والنصوص الصريحة والواضحة في ذلك من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ".ثم إن هذه الغرامة المالية لها حقيقتان وفائدتان: فهي عقوبة تعزيرية رادعة للظالمين بنقيض قصدهم، وهي أيضًا تعويض ماليٌّ يجبر خاطر المظلومين وخسائرهم.المطلب الخامس: شروط جواز الغرامة المالية الناتجة عن المماطلة في تسديد الحق:لقد اشترط المجيزون لتلك الغرامة الزائدةِ على الظالمِ المماطل عدة شروط نذكر منها:• أن لا يكون الدائن ولا المدين قد اشتراطا تلك الزيادة من أول إبرام عقد القرض، أو تواطآ على ذلك حتى لا يكون ربًا.قال الحطاب المالكي: " إذا التزم المدعى عليه للمدعي، أنه إن لم يوفه حقه في وقت كذا، فله عليه كذا وكذا، فهذا لا يختلف في بطلانه؛ لأنه صريح الربا، وسواء كان الشيء الملتزم به من جنس الدَّين أو غيره، وسواء كان شيئًا معينًا أو منفعة".• أن يكون الدين مسمى لأجل محدود معلوم، فلو لم يُسمه من الأول، فإنه لا ينبغي له مطالبته في وقتٍ ما بالزيادة الناتجة عن تأخر التسديد.• أن يكون المدينُ موسرًا مماطلاً، فأما إن كان معسرًا فقد قال تعالى: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ﴾ [البقرة 280].• اشترط بعضهم بأن يكون الضرر للدائنِ واقعا على المال وهو متوفر هنا.• اشترط بعضهم بأن يُدفع المال الزائد في أوجه البر، والصحيح عدم اشتراط ذلك لأن المتضرر هو الدائن، ولا يُجبر على التنازل من ماله لأجل أوجه الخير.واستدل هؤلاء بما يلي:1- قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ﴾ [البقرة 280]، ففرق الله تعالى بين المعسر والموسر، وهذا عموم يدخل فيه الفرق بينهما أيضًا في الإنظار وفي رد رؤوس الأموال.2- قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [ المائدة: 2] وقد قدمنا أنه:3- من عدالة الإسلام ألا يُعقل أن يقف الإسلام مع الظالم المماطل وهو يعمل ويُتاجر ويمرح بمال غيره، بينما صاحب المال وهو الفاعل للخير الذي احتاج ليعمل بماله ثم نقول له: اصبر فقط، حتى يرجع لك رأس مالك، بينما يبقى الظالم المماطل يتنعم فيه ويفرح! أهذا هو جزاء الإحسان؟!بل إن الإحسان هو إعانة المظلوم الدائن حتى يسترجع حقه، ويُعوض الظالمُ له ما تضرر به من جراء كثرة مطالباته لمدينه منذ انتهاء وقت الدين حتى يوفيه حقه.ومن التعاون والإحسان أيضًا أن يؤخذ بأيدي ذلك الظالم المتلاعب الفاعل للمنكر، حتى يُرجِع الحق إلى مستحقيه، وأن يغرّم على ذلك نقيضا لقصده، حتى يكون عبرة لغيره من الفساق المتلاعبين الذين كثروا في هذا الزمان، فإنا رأيناهم يعملون بأموال غيرهم ويتلاعبون بهم، فإذا جمعوا منها أموالاً كثيرة ربما ردوا رأس المال لدائنيهم زعما منهم أنهم تابوا، والله المستعان، ولا يُعقل أن يكون الإسلام عونًا وظهيرًا للمجرمين.4- قال تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 34]، وقال أيضًا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة: 1] وهذا الغني المُماطل مخالف للعقد والعهد وفاعل للمنكر، فتجب عقوبته شرعا.5- وقال أيضًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾، [النساء: 59] وقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 37 ].6- خرج البخاري (2287) ومسلم (1564) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مطل الغني ظلم، فإذا أتبع أحدكم على ملي فليتبع "، فقد سمى المماطلَ بالظالمِ المتعدي المغتصبِ لمال غيره.قال ابن حجر والعيني في عمدة القاري وغيرهما: " وَاسْتدلَّ- السبكي - بِأَن منْع الْحق بعد طلبه وَانْتِفَاء الْعذر عَن أَدَائِهِ كالغصب، وَالْغَصْب كَبِيرَة، وتسميته ظلما يشْعر بِكَوْنِهِ كَبِيرَة ".7- وقد ذهب العامة إلى قاعدة: " أن منافع العين المغصوبة مضمونة من مغتصبها "، وهذا الغني الواجد الذي لم يُسدد مال غيره عند أجله فهو ظالم متعد، لأنه أخذ مال غيره واستعمله لمصلحته من غير إذن صاحبه، وعلى حساب تفويت مصلحة مالكه، فيجب عليه الضمان له، بل إن ما تولد من ماله فهو له.8- قال ابن ماجه في سننه باب الحبس في الدين والملازمة ثم خرج 2427 عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لي الواجد يحل عرضه وعقوبته "، صححه ابن حبان والحاكم والذهبي. وهذا الحديث أصل في تشريع عقوبة التعزير للمماطل، ثم هذه العقوبة عامة كما في الحديث، وهي شاملة للعقوبات البدنية والسجن والتعزير بالمال.وقد مضى ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في عقوبة المماطل بدنيا أو ماليا: " ولو كان قادرا على أداء الدين وامتنع ورأى الحاكم منعه من فضول الأكل والنكاح فله ذلك، إذ التعزير لا يختص بنوع معين، وإنما يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم في نوعه وَقَدْرِهِ إذَا لَمْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ "، وقال أيضًا: " وللحاكم أن يبيع عليه ماله ويقضي دينه ولا يلزمه، وإذا كان الذي عليه الحق قادرا على الوفاء ومطل صاحب الحق حتى أخرجه إلى الشكاية فما غرمه بسبب ذلك فهو على الظالم المبطل إذا كان غرمه على الوجه المعتاد".وقال الإمام ابن مفلح في الفروع: " وأما تمكين مثل هذا يعني الممتنع عن الوفاء ظلما من فضل الأكل والنكاح فهذا محل اجتهاد، فإنه من نوع التعزير، فإن رأى الحاكم أن يعزره به كان له ذلك، إذ التعزير لا يختص بنوع معين، وإنما يرجع فيه إلى اجتهاد ولي الأمر في تنوعه وقدره إذا لم يتعد حدود الله "، وهذا هو مذهب الحنبلية وغيرهم.9- خرج ابن ماجه (2340) عن عبادة بن الصامت "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قضى أن لا ضرر ولا ضرار" وللدارقطني بزيادة: من ضار ضره الله، ومن شاق شق الله عليه ".ومطل الواجد يُضر بالدائنِ فاعلِ الخيرِ - فرْدًا كان أو بَنْكًا أو مؤسّسة - ضررًا كبيرًا لأنه يُعطل تجارته وأعماله أو منافعه، بل ويُكبده خسائر مادية متيقنة جرّاء محاولاته المتكررة لاسترجاع ماله أو غير ذلك، ولذلك كانت المصلحة المناسبة أن يضمن ذلك المغتصبُ له.ولا ننسى أيضًا ذلك الضرر النفسي الكبير الذي يحدث في نفس المُقرض الذي يشعر بالحزن والكآبة لضياع ماله، وخيانة صاحبه له، وقلب المعروف شرّا.10- والقاعدة تقول " الضرر يُزال"، ولا يزول هنا إلا بتعويض الدائن مالا مقابل حرمانه من الانتفاع بماله.11- أن غرامة التأخير العمد هي أيضًا عقوبة بنقيض قصد ذلك الظالم المماطل، فإن مقصوده هو الاستكثار بمال غيره، فيُعاقب بنقيض قصده وأخذ المال منه.12- القياس على جواز بيع العربون: فإن للبائع أن يأخذ ذلك المال مقابل إبقاء السلعة لأجل المشتري - المُعربن - فإن رجع أكمل تسديد ماله وأخذ السلعة، وإن لم يجئ جاز للبائع أن يأخذ ماله، مقابل تفويته فرصا للبيع في ذلك الأجل، فكذلك الدائن هنا، بل هو أولى؛ لأن ذلك المدين المماطل قد فوت على المُقرِض الفُرصَ والفرص الكثيرة التي حالت دون انتفاعه بماله، بل وأتعبه أيضًا بمماطلته وكذبه عليه، بل قد يتسبب في خسائر له كما هو معلوم - والمثل الشعبي: واسأل المُجرب ولا تسأل الطبيب -.13- القياس على السارق وآخذ الضالة واللقطة عمدًا، وكذا من أخذ ما دون مقدار القطع أو شروطه، فإنه يغرم مثلين وضعفين إضافة إلى العقوبة البدنية كما في الحديث الذي خرجه أبو داود (4390) وغيره عن عبدالله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه سئل عن الثمر المعلق، فقال: "من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة، فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق منه شيئًا بعد أن يؤويه الجرين، فبلغ ثمن المجن، فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه، والعقوبة"، وقد فُسرت هذه العقوبة هنا في رواية أخرى بقوله: " ثمنها مرتين، وضرب نكال "، وفي حديث آخر لا تزيد عن عشر جلدات.والجامع بينهما أن كليهما أخذ واستولى على مال غيره بالباطل واستعمله لنفسه.وقد ورد حديث صحيح في أن الذي يعمل بمال غيره أو دَيْنه أو يُتاجر به من غير إذن صاحبه فإن ذاك المال وما تولد عنه كله يرجع إلى صاحبه الأول؛ لأن ما تولد عن الشيء يأخذ حكمه، والتابع تابع كما في:المطلب السادس: ذكر غلة المال المغصوب لمن تعود؟ للمالك المظلوم أو للغاصب الظالم أو لهما معًا...؟:القول الأول: ذهب أكثر المالكية إلى أن الغلة تعود للغاصب لا للمالك الحقيقي، لأنه لو تلف عنده ضمنه، والغنم بالغرم، وهذا قولٌ مخالف للحديث الآتي: " من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته ".وقيل يأخذ المغصوب مقدار ما كان يربح منه:قال الخرشي في شرح مختصر خليل: " اعلم أن اللخمي حكى فيمن غصب دراهم أو دنانير هل يغرم ما يربح منها أو ما كان يربح فيها صاحبها؟ ثلاثة أقوال فقيل لا شيء للمغصوب منه إلا رأس ماله استنقصها الغاصب أو اتجر فيها فربح وهو قول مالك وابن القاسم، وقيل إن اتجر فيها وهو موسر كان الربح له وإن كان معسرًا فالربح لصاحبها وهو قول ابن مسلمة وابن حبيب في الولي يتجر بمال يتيمه لنفسه جعلا له الربح إن كان موسرًا ولليتيم إن كان معسرًا، والقول الثالث أن للمغصوب منه قدر ما كان يربح فيها أن لو كانت في يده"، قال: " وحكى صاحب المقدمات الاتفاق على أن ربح الدراهم والدنانير للغاصب، والحاصل أن الراجح أن الربح للغاصب مطلقا كما أفاده بعض الشيوخ خصوصا وقد علمت أنه كلام مالك وابن القاسم وحكى الاتفاق عليه ابن رشد "، ولم يصح هذا الاتفاق بين المالكية كما أسلفنا.بل قد قال ابن سحنون: لك - للمغصوب - ما كنت تتجر فيها لو كانت في يديك، ولم يتجر فيها الغاصب، بل قضاها في دين أو أنفقها".بل للإمام مالكٍ قولٌ آخر: فقال الطبري في اختلاف الفقهاء (176): " واختلفوا في حكم غلة المغصوب، فقال مالك: إذا آجر الغاصب المغصوب وكان دوابا فإن لأرباب الدواب إذا علموا ذلك كراء ما حمل عليه غرما عليه إن سلمت الدابة وإن تلفت خير أهل الدابة بين الثمن والكراء " حدثني بذلك يونس عن ابن وهب عنه".ثم نقله عن الشافعي أيضًا قال: "... ولا يكون لأحد غلة بضمان إلا للمالك " حدثنا بذلك عنه الربيع".وذهب يوسف إلى قول مالكٍ الأولُ من أن الريع للغاصب لأن المال ملك له، وهو يضمنه، وهو الذي تعب وعَمِل به، واستدلوا بحديث عمر الآتي في استلاف ابنيه من بيت المال، وقوله لهما: " أديا المال وربحه..."، قالوا: " فلم يُنكر عمر قول ابنه: لو هلك المال أو نقص ضمناه "، فلذلك طاب له ربحه، ولا أنكره أحد من الصحابة بحضرته "، والعجب أن هذا الحديثَ حجة عليهم؛ لأن عمر قال لهما: " أديا المال وربحه "، ثم إنّ أبا موسى الأشعري والي البصرة هو من أسلفهما المال متأولا، وأمرهما بالاتجار به ففعلا كما سيأتي، لا أنهما اغتصبا أموال المسلمين وحاشاهم من ذلك وكلا، وأين قياس عمل الصحابة الأطهار على هؤلاء المغتصبة الأشرار؟!ووالله أنه لقول عجيب باطل غريب لا دليل عليه، ويكفي في بيان خطئه ما فيه من تشجيع بل وتحريض للفساق على السرقة والغصب وأكل الأموال بالباطل والنهب، ثم العمل به، ثم يتملكون كل ربحِه وغلتِه، بينما يكتفي ذلك المظلوم المغصوب بالمشاهدة ويبقى كئيبا حزينا ينظر في الظلمة وهم يتمتعون ويغنوْن بماله، لا والله ليس هذا من أمْر الإسلام في شيء، ولا قوة إلا بالله، وهذا قول عجيب يتناقض مع عدالة الشرع الحكيم، وسيأتي أن عمل جميع الصحابة رضي الله عنهم على خلاف هذا القول.وأما الشافعية: فقد جاء في المجموع للنووي: (فصل) وان غصب دراهم فاشترى سلعه في الذمة، ونقد الدراهم في ثمنها وربح، ففي الربح قولان، قال في القديم: هو للمغصوب منه، لأنه نماء ملكه فصار كالثمرة والولد، فعلى هذا يضمنه الغاصب إذا تلف في يده كالثمرة والولد، وقال في الجديد: هو للغاصب لأنه بدل ماله فكان له ".ثم قال: (فصل): " وإن غصب عبدا فاصطاد صيدا فالصيد لمولاه؛ لأن يد العبد كيد المولى، فكان صيده كصيده وهل تلزم الغاصب أجرة العبد للمدة التي اصطاد فيها فيه وجهان، أحدهما: تلزمه لأنه أتلف عليه منافعه، والثانى: لا تلزمه لأن منافعه صارت إلى المولى ".القول الثاني: ذهب جمهور الحنفية إلى أن الغلة الناتجة عن غصب يُتصدق بها: قال البابرتي في العناية: "ومن غصب جارية وباعها بعد ضمان قيمتها فربح فيها أو غصب دراهم وأدى ضمانها واشترى بها شيئًا وباعه وربح فيه تصدق بالربح في الفصلين عند أبي حنيفة ومحمد "، وهو رواية عن الإمام أحمد.واستدلوا بحديث الشاة التي أخذت بغير إذن أهلها فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالتصدق بلحمها على الأسارى، لكن الحديثَ لا علاقة له بالغصب الظاهر، بل هو من باب أخذ مال الزوجة من مال زوجها تأوُّلا؛ لأنه عليه السلام لما قال: "أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها"، فأرسلت المرأة، قالت: يا رسول الله، إني أرسلت إلى البقيع يشتري لي شاة، فلم أجد فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة، أن أرسل إلي بها بثمنها، فلم يوجد، فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إلي بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أطعميه الأسارى".القول الثالث: ذهب جماهير السلف إلى أن الأصل مع الغلة تعود لمالكها الأصلي، وهو مذهب الحنابلة والظاهرية وقول للإمام مالك والشافعي وأبي حنيفة، ونُقل إجماعا، قال المجد ابن تيمية في المحرر (1/362): " وإذا غصب دراهم فاتجر بها فرِبْحُها للمالك".وقال ابن قدامة: إذا غصب أثمانا فاتجر بها أو عروضا فباعها واتجر بثمنها فالربح للمالك والسلع المشتراة له، وقال الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب: إن كان الشراء بعين المال فالربح للمالك ".وقال ابن حزم في المحلى (5/250): " وأما إن كان البذر مغصوبا فلا حق له، ولا حكم في شيء مما أنبت الله تعالى منه; سواء كان في أرضه نفسه أم في غيرها، وهو كله لصاحب البذر; لقول الله تعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ [البقرة: 188]، ولا يختلف اثنان في أن غاصب البذر إنما أخذه بالباطل، وكذلك كل بذر أخذ بغير حق فمحرم عليه بنص القرآن أكله، وكل ما تولد من شيء فهو لصاحب ما تولد منه بلا خلاف، وليس وجوب الضمان بمبيح له ما حرم الله تعالى عليه ".ثم ردّ على من جعل الغلة للظلمة ثم قال: " يلزمهم أن يجعلوا أولاد المغصوبة من الإماء والحيوان للغاصب بهذا الخبر، وهم لا يقولون بذلك ".وهذا قول قوي يدعمه المعقول والحس والفطرة والمنقول، وسد باب الذريعة على الفساق حتى لا يأخذوا الأموال من غيرهم بالباطل ليعملوا بها ثم يأخذوا ريعها، واستدل هؤلاء بما يلي:1- قاعدة: " ما تولد عن الشيء أخذ حكمه ".2- قاعدة: " التابع تابع ".3- أن ذلك المال ولو عمل به فليس ملكا له بل هو لغيره، وهو مال محرم خبيث.الدليل 4- خرجه الترمذي (1366) نا قتيبة نا شريك بن عبدالله النخعي عن أبي إسحاق عن عطاء عن رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته"، قال: " هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث أبي إسحاق إلا من هذا الوجه من حديث شريك بن عبدالله، والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم، وهو قول أحمد وإسحاق، وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث؟ فقال: هو حديث حسن، وقال: لا أعرفه من حديث أبي إسحاق، إلا من رواية شريك "، وقتيبة ممن روى عن شريك قبل الاختلاط وله شاهد آخر:فقد أخبر النبي عليه السلام بأن الغاصب يتحمل الغرم ولا يأخذ الغنم، وهذا أمر مستثنى من حديث: "الغنم بالغرم"، و"الخراج بالضمان".وقيل معنى: "له نفقته "؛ أي: يتصدق بعمله على المساكين كفارة له، وأما الزرع وربحه فلمالكه.وقيل: بل تُحسب على رب الزرع النفقة، وعليه فالغاصب يأخذ قدر نفقته وأجرته فقط، وهو دليل لمن قال بأن الغاصب لا يستحق إلا الأجرة والنفقة على ذلك المال المغصوب.الدليل 5- قال الترمذي: قال محمد حدثنا معقل بن مالك البصري قال: حدثنا عقبة بن الأصم عن عطاء عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ".ورواه يحيى القطان عن أبي جعفر الخطمي عن سعيد بن المسيب عن رافع بن خديج قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بزرع، فقال: لمن هذا الزرع؟ قالوا: لظهير قال: ليرد صاحب الأرض عليه نفقته، وليأخذ أرضه "، وخالفه حماد عن أبي جعفر فأرسله، والموصول أصح.قال ابن أبي حاتم في العلل (1427) قال أبي: هذا يقوي حديث شريك عن أبي إسحاق عن عطاء عن رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من زرع في أرض قوم بغير إذنهم، فليس له من الزرع شيء، ويرد عليه نفقته "، قال أبي: " روى هذا الحديث غير شريك، وحديث يحيى لم يسنده غير يحيى بن سعيد... والصحيح: حديث يحيى؛ لأن يحيى حافظ ثقة ".قال: " وأما الشافعي فإنه يدفع حديث عطاء، وقال: عطاء لم يلق رافعا"، قال أبي: بلى، قد أدركه ".الدليل 6- خرج البخاري في الصحيح (2272) عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم حتى أووا المبيت إلى غار، فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل، فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فقال رجل منهم:... قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء، فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمّرت أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين فقال: يا عبدالله أدِّ إلي أجري، فقلت له: كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبدالله لا تستهزئ بي، فقلت: إني لا أستهزئ بك، فأخذه كله، فاستاقه، فلم يترك منه شيئًا، اللهم فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، فخرجوا يمشون "، وبوب عليه: "باب إذا زرع بمال قوم بغير إذنهم، وكان في ذلك صلاح لهم، لا لَه".فإذا كان هذا في أمر رجل صالح أجَّر أجيرًا ولم يظلمه ولا تلاعب به، بل إن الأجير هو الذي لم يأت ليطالب بحقه، بل وهو من ترك ماله دينا في رقبة ذلك الرجل الصالح وذهب، ومع ذلك فإن هذا الرجل الصالح لمّا عمل بماله واستثمره، أَرْجع له ديْنه وكل ما تولد عنه من أموال وأرباح، فكيف الأمر - يا عباد الله – بمن يظلمون ويماطلون ولأموال منْ فَتَحَ عليهم أبواب الخير يجحدون، ولجميلهم يُنكرون، أليس هؤلاء أولى بأن يتوبوا ويُرجعوا الديون وما تولد عنها لمستحقيها.ولقد صِرنا نراهم يتلاعبون بأموال المسلمين، ويخادعون الله والمؤمنين، فيجمعون الأموال عن طريق الديون والغصب والاستحواذ على الأمانات... مع تتبع الرخص، فإذا جمعوا الكثير من الأموال قالوا كذبا: تبنا إلى الله، ثم يُرجِعون - هذا إن أحسنوا - رأس المال فقط لذلك الدائن المسكين الكئيب الحزين، متبعين للهوى وربما زلاَّت العلماء إن عرفوها.ألا فليتقوا الله الرقيب العليم، وليعلموا أنه من شروط التوبة هو التخلص من كل ذلك المال الحرام وما تولد عنه وإرجاع المظالم لأصحابها والله المستعان.7- كما استدلوا بحديث عمر التالي وفيه قول عمر لابنيه لما استلفا مالا من بيت المال وربحا فيه: " قال: أَكُلَّ الجيش أسلفه كما أسلفكما؟ قالا: لا، قال عمر رضي الله عنه: "ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما، أدِّيا المال وربحه"، ثم تراجع عمر إلى النصف، لأنهما متأوِّلان لا مغتصبان كما سيتبين:القول الرابع: وذهب جمهور من السلف إلى أن الغلة قسمةٌ مشاعةٌ بين الغاصب والمغصوب مثل المضاربة تماما، ونقله بعضهم إجماعا، وقال مَالِكٌ في الموطأ: " فِي رَجُلٍ أَخَذَ مَالًا قِرَاضًا مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ، فَعَمِلَ فِيهِ قِرَاضًا بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ: إِنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ، وإِنْه إن نَقَصَ في المال فَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ، وَإِنْ رَبِحَ فَهو على ما كان بينهما ووصفا أول مرة "، وقال في إجارة العبد بغير إذن سيده: " الغلة للسيد "، وهذا هو الصحيح من مذهب مالك.واستدلوا بما:قال الإمام مالك في الموطأ من كتاب القراض: عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: خرج عبدالله، وعبيدالله، ابنا عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق، فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعري، فرحب بهما وسهّل، وهو أمير البصرة، فقال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما لفعلت، ثم قال: بلى هاهنا مال من مال الله، أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين، فأسلفكماه، فتبتاعان به من متاع العراق، ثم تبيعانه بالمدينة، فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين، ويكون الربح لكما، فقالا: وددنا، [ففعل] وكتب إلى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهما المال، فلما قدما على عمر ، قال: أكلَّ الجيش أسلفه كما أسلفكما؟ فقالا: لا، قال: أدِّيا المال وربحه، قال: فأما عبدالله ، فسكت، وأما عبيدالله ، فقال: ما ينبغي لك هذا يا أمير المؤمنين هذا، لو هلك المال أو نقص لضمناه؟ فقال: أدياه، فسكت عبدالله، وراجعه عبيدالله، فقال رجل من جلساء عمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين ، لو جعلته قراضا؟ قال: قد جعلته قراضا، فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه، وأخذ عبدالله ، وعبيدالله ، نصف ربح ذلك المال "،ورواه أبو مصعب وابن القاسم والإمام الشافعي وابن بكير عن مالك به، وهو حديث صحيح، ولأكثره شواهد، كما قال ابن كثير في مسند عمر: "ورواه الدارقطنى من وجه آخر عن عبدالله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده به وهو أصل كبير اعتمد عليه الأئمة في هذا الباب ".وقال الفسوي في تاريخه (1/465) حدثنا عبدان حدثنا عبدالله بن المبارك حدثنا عبيدالله بن موهب حدثني عبيدالله بن عبدالله قال: سمعت أبا هريرة يقول: " قدمت على عمر بن الخطاب من عند أبي موسى الأشعري بثمان مائة ألف درهم فقال لي: بماذا قدمت؟ قلت: قدمت بثمان مائة ألف درهم. قال: ألم أقل إنك تهامي أحمق، إنما قدمت بثمانين ألف درهم، فكم ثمان مائة ألف درهم! فعددت مائة ألف حتى عددت ثمان مائة، فقال: أطيب ويلك؟ قال: نعم. قال: فبات عمر ليلته أرقا، حتى إذا نودي بصلاة الصبح قالت له امرأته: يا أمير المؤمنين ما نمت الليلة؟ قال: كيف ينام عمر بن الخطاب وقد جاء الناس ما لم يكن يأتيهم مثله منذ كان الإسلام، فما يؤمن عمر لو هلك وذلك المال عنده فلم يضعه في حقه، فلما صلى الصبح اجتمع إليه نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: إنه قد جاء الناس الليلة ما لم يأتهم مثله منذ كان الإسلام، وقد رأيت رأيا فأشيروا علي، رأيت أن أكيل للناس بالمكيال، فقالوا: لا تفعل يا أمير المؤمنين إن الناس يدخلون في الإسلام ويكثر المال ولكن أعطهم على كتاب، فكلما كثر الناس وكثر المال أعطيتهم عليه، قال فأشيروا علي بمن أبدًا منهم؟ قالوا: بك يا أمير المؤمنين إنك ولي ذلك. ومنهم من قال: أمير المؤمنين أعلم. قال: لا. ولكني أبدًا برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الأقرب فالأقرب إليه فوضع الديوان على ذلك "، وقد قال شيخ الإسلام كما في المجموع (30/322)، وسئل عن الأموال التي تقبض بطريق المناهب..؟ فأجاب: "الحمد لله رب العالمين، أما المال المغصوب إذا عمل فيه الغاصب حتى حصل منه نماء: ففيه أقوال للعلماء: هل النماء للمالك وحده؟ أو يتصدقان به؟ أو يكون بينهما كما يكون بينهما إذا عمل فيه بطريق المضاربة والمساقاة والمزارعة، وكما يدفع الحيوان إلى من يعمل عليه بجزء من دره ونسله، أو يكون للعامل أجرة مثله إن كانت عادتهم جارية بمثل ذلك ".• فتأمل كيف أنه لم يذكر قول المالكية لوضوح ضعفه وتعدد روايات مالك فيه – ثم قال شيخ الإسلام: " كما فعل عمر بن الخطاب لما أقرض أبو موسى الأشعريُّ ابنيه من مال الفيء مائتي ألف درهم، وخصهما بها دون سائر المسلمين، ورأى عمر بن الخطاب أن ذلك محاباة لهما لا تجوز، وكان المال قد ربح ربحا كثيرا بلغ به المال ثمانمائة ألف درهم، فأمرهما أن يدفعا المال وربحه إلى بيت المال، وأنه لا شيء لهما من الربح لكونهما قبضا المال بغير حق. فقال له ابنه عبدالله: إن هذا لا يحل لك؛ فإن المال لو خسر وتلف كان ذلك من ضماننا فلماذا تجعل علينا الضمان ولا تجعل لنا الربح؟ فتوقف عمر. فقال له بعض الصحابة: نجعله مضاربة بينهم وبين المسلمين: لهما نصف الربح وللمسلمين نصف الربح فعمل عمر بذلك ".ثم قال ابن تيمية: وهذا مما اعتمد عليه الفقهاء في المضاربة وهو الذي استقر عليه قضاء عمر بن الخطاب ووافقه عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو العدل؛ فإن النماء حصل بمال هذا، وعمل هذا، فلا يختص أحدهما بالربح ولا تجب عليهم الصدقة بالنماء؛ فإن الحق لهما لا يعدوهما؛ بل يجعل الربح بينهما كما لو كانا مشتركين شركة مضاربة ".قال الإمام الشافعي في الأم: "ولم يقل عمر ولا أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكما الربح بالضمان، بل جمع عليهما الضمان وأخذ منهما بعض الربح، وقد يُقال هنا - والله أعلم - بأن أبا موسى الأشعري إنما أقرضهما من بيت المال متأولا لأنه كان أميرًا، ولذلك يجوز أن يأخذَ المقترض المتأولُ إذا تاجر في المال متأولا فإنه يأخذ النصف كالمضاربة، وعلى هذا يُحمل اتفاق الصحابة الذي ذكر شيخ الإسلام، وقال الشافعي في الأم: " حكم فيه بأن أجاز منه ما كان يجوز على الابتداء؛ لأن الوالي لو دفعه إليهما على المقارضة جاز، فلما رأى ومن حضره أن أخذهما المال غير تعد منهما وأنهما أخذاه من وال له فكانا يريان والوالي أن ما صنع جائز ".وهذا بخلاف ذلك المستلف الظالم المماطل المتعمد للغصب والنهب والمماطلة فإنه لا يأخذ شيئًا من الغلة جزاءً له، ولا يأخذ إلا أجرة أجير، مع إنزال العقوبة عليه والله أعلم، وبالله التوفيق.فهذا عمر قال للمتأَوِّليْن: " أديا المال وربحه "، فما بالكم بما سيقول في ذلك الغاصب الظالم الأثيم؟؟القول الخامس: وذهبت جماعة من السلف إلى أن الأصل مع الغلة تعود لمالكها الأصلي، لما مرّ، فإن كان آخذ المال متأولا فإنه يأخذ النصف، وأما ذلك الغاصب الظالم فلا يأخذ إلا أجرة المثل عن عمله فيه، وهذا أقوى الأقوال وفيه إعمال لجميع الأدلة، وإنصاف للفريقين، الغاصب والمغصوب والله أعلم.والدليل على ذلك: ما مر من حديث رافع: "من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته"، فقد أخبر النبي عليه السلام بأن الغاصب يتحمل الغرم ولا يأخذ الغنم إلا النفقة، وهذا أمر مستثنى من حديث: " الغنم بالغرم "، و " الخراج بالضمان ".وقيل معنى " له نفقته "؛ أي: يتصدق بعمله على المساكين كفارة له، وأما الزرع وربحه فلمالكه.وقيل: بل تُحسب على رب الزرع النفقة، والغاصب يأخذ قدر نفقته وأجرته فقط، وهو دليل لمن قال بأن الغاصب لا يستحق إلا الأجرة والنفقة على المال المغصوب.كما روى يحيى القطان عن أبي جعفر الخطمي عن سعيد بن المسيب عن رافع بن خديج قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بزرع، فقال: لمن هذا الزرع؟ قالوا: لظهير قال: ليرد صاحب الأرض عليه نفقته، وليأخذ أرضه ".وفيه دليل على أنه تُحسب على رب الزرع النفقة، والغاصب يأخذ قدر نفقته وأجرته فقط، وهذا هو الصواب والله أعلم وبالله التوفيق.
  #2  
07-05-2014, 11:31 PM
رد: التعزير بالمال عند المماطلة في تسديد الديون والفواتير

موضوع رائع
اشكرك ياغالى

الكلمات الدلالية (Tags)
المماطلة, التعزير, الديون, بالمال, تصحيح, عند, في, والفواتير


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 



الساعة الآن 06:26 PM

Powered by vBulletin
الاختلاف عن البقية معنى الإبداع وصنع الشيء المستحيل ..(المقلدون خلفنا دائماً) من قلدنا أكد لنا بأننا الأفضل..