احكام المولود بالتفصيل

الموضوع في 'منتدى ايجى نت الاسلامى' بواسطة شعبانت, بتاريخ ‏5 مايو 2014.

  1. شعبانت

    شعبانت Member

    احكام المولود بالتفصيل
    المقدِّمة
    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين : نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد :-
    رُزقتُ بمولود - أصلحه الله وإخوانه وأخواته وجميع أولاد المسلمين - فأرسل لي الإخوان والأصحاب التهاني ، ولاحظت أن أكثرهم – إنْ لم يكن الجميع – قد اِلتزموا صيغة واحدة في التهنئة ، وهي : بارك الله لك في الموهوب .... ، بل إن أحدهم كتب على إِثـْرِ الرسالة : هذا دعاء التهنئة بالمولود([1]) .. ومن المعلوم أنه لم يرد عن النبي ص دعاء معيِّن في التهنئة بالمولود ، وإنّ الالتزام بصيغة معيّنة في الدعاء لا بُدّ لها من دليل .. فأردت أن أُبيِّن للإخوة بعض مسائل المولود ، لعل الله أن يجعل ذلك من العلم الذي ينتفع به صاحبه ..

    البشارة بالمولود
    تُشرع البشارة بالمولود قال سبحانه : ((وبشّرناه بإسحاق نبيًّا من الصالحين)) ، وقال : ((يا زكريا إنا نُبشِّرك بغلام اسمه يحي لم نجعل له من قبل سميّا)) ..
    والبشارة من باب إدخال السرور إلى قلب المؤمن .. جاء عند البيهقي في شعب الإيمان : عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ يَرْفَعْهُ إِلَى النَّبِيِّ ص : (مِنْ أَفْضَلِ الْعَمَلِ إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ : يَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا ، يَقْضِي لَهُ حَاجَةً ، يُنَفِّسُ عَنْهُ كُرْبَةً) ([2])
    وقد كان الصحابة يتنافسون بينهم حتى في البشارة ، جاء في مسند الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مسْعُود ا قَالَ : مَرَّ بِي رَسُولُ اللهِ ص وَأَنَا أُصَلِّي ، فَقَالَ : (سَلْ تُعْطَهْ يَا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ) ، فَقَالَ عُمَرُ ا : فَابْتَدَرْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ ، فَسَبَقَنِي إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ ، وَمَا اسْتَبَقْنَا إِلَى خَيْرٍ ، إِلَّا سَبَقَنِي إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ ا([3]) .. فقد عدّ الفاروقُ البشارةَ من أبواب الخير ..
    وجاء في مسند الإمام أحمد من حديث توبة كعب بن مالك ا وفيه : (إِذْ سَمِعْتُ نِدَاءً مِنْ ذُرْوَةِ سَلْعٍ : أَنْ أَبْشِرْ يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ ، فَخَرَرْتُ سَاجِدًا ، وَعَرَفْتُ أَنَّ اللهَ قَدْ جَاءَنَا بِالْفَرَجِ ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ يَرْكُضُ عَلَى فَرَسٍ يُبَشِّرُنِي ، فَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنْ فَرَسِهِ ... الحديث([4]))ففيه دلالة على حرص الصحابة على نقل البشارة والمسارعة فيها ..
    (قلتُ) : وأي بشارة أعظم من أن يرزقك الله ولدًا زينةً في الحياة الدنيا ، وذُخرًا لك بعد خروجك منها .

    الإهداء للمُبشِّر
    ورد أن كعب بن مالك ا لما بُشِّر بتوبة الله عليه أهدى لمن بشره ثوبيه ، جاء في مسند الإمام أحمد من حديث توبة كعب بن مالك ا وفيه : (فَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنْ فَرَسِهِ ، فَأَعْطَيْتُهُ ثَوْبَيَّ بِشَارَةً ، وَلَبِسْتُ ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ ... الحديث([5])) .. والإهداء للمبشِّر مما تعارف عليه الناس قديمًا وحديثًا ، وهو من الخصال الحميدة التي لا ينبغي للعاقل أن يغفل عنها .

    التهنئة
    قال ابن القيم : : فإن فاتته البشارة استُحِب له تهنئته ، والفرق بينهما : أنّ البشارة إعلام له بما يسرُّه ، والتهنئة دعاء له بالخير فيه بعد أن علم به ([6]).. انتهى كلامه .
    إنّ التهنئة لمن رُزِق مولودًا من باب إدخال السرور إلى قلب المسلم ، وهذا أمرٌ مندوبٌ إليه ، ولكن لم يرد عن النبي ص التهنئة بالمولود بصيغة معيّنة أو دعاءٍ ثابت .. وإن كان قد ورد عن السلف .. فقد جاء في الأذكار للنووي عن الحسن البصري : أنَّه علَّم إنساناً التهنئة فقال : قُل : "باركَ الله لكَ في الموهوب لك ، وشكرتَ الواهبَ ، وبلغَ أشدَّه([7]) ، ورُزقت برهُ ..
    ومما ورد أيضًا : ما جاء في حِلْية الأولياء عن أيوب السختياني : كان إذا هنّأ رجلاً بمولود قال :
    جعله الله تعالى مباركًا عليك وعلى أُمّة محمد ص ..
    (قلتُ) : فإن دعا بمثل دعاء الحسن البصري أو أيوب السختياني فحَسن ، على أن لا يعتقد بأن هذا دعاءٌ مرفوع إلى النبي ص .. وإن غيّر أحيانًا فهو أفضل .
    كما يُسْتَحَبُّ أن يَرُدّ على المهنئ بأيِّ دعاء ، فقد جاء في الأذكار للنووي بأن يقولُ :
    باركَ الله لك ، وبارَك عليك ، أو : جزاك الله خيراً ، ورزقك الله مثلهُ ، أو: أجزلَ اللهُ ثوابَك ، ونحو هذا .
    (قلتُ) : ورسائل الجوال تُغني عن الاتصال للبعض ، ولكنها للقريب جدًّا ، أو من حقّه كبير عليك فليس من الحكمة إرسال الرسالة مع إمكانية الاتصال .. وأمّا الرد على رسالة المهنئ فإن الكثير يترك الرد وهذا من الجفاء أو على الأقل من عدم حسن التصرف ، والعاقل ينبغي له ألاّ يغفل عن من مثل هذه الأمور .. والله أعلم .
    الأذان في أذن المولود
    جاء عند أحمد وأبي داود والترمذي من حديث أبي رافع قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ بِالصَّلَاةِ .. قال الترمذي : حديث صحيح ، والعمل عليه .. ضعّفه الألباني وكان قد حسّنه ([8]) .
    قال ابن باز : : هذا مشروع عند جمع من أهل العلم ، وقد ورد فيه بعضالأحاديث ، وفيسندها مقال ، فإذا فعله المؤمن فحسن ؛ لأنه من باب السنن ومن باب التطوعات ، والحديث فيسنده عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب وفيه ضعف ، وله شواهد ... إذا فعل ذلك المؤمن للأحاديث التي أشرنا إليها فلا بأس ، لأنهيشد بعضها بعضاً ، فالأمر في هذا واسع ، وإن تركه فلا بأس ([9]).
    قال ابن عثيمين : : الأذان عند ولادة المولود سُنّة ، وأما الإقامة فحديثها ضعيف فليست بسُنة ، ولكن هذا الأذان يكون أول ما يسمع المولود، وإذا فات وقت الولادة فهي سنة فات محلها فلا تُقضى ([10]).
    (قلتُ) : أما ما جاء في عمل اليوم والليلة لابن السُّنِّي عَنْ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ب قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص : (مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى ، وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى ، لَمْ تضُرَّهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ) فإن الحديث موضوع كما قال الألباني([11]) .. قال الحافظ ابن حجر : أُم الصِّبيان هي التابعة من الجنِّ .
    قال ابن القيم : : سِرُّ التأذين وَالله أعلم أَن يكون أول مَا يقرع سمع الْإِنْسَان كَلِمَاته المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته وَالشَّهَادَة الَّتِي أول مَا يدْخل بهَا فِي الْإِسْلَام فَكَانَ ذَلِك كالتلقين لَهُ شعار الْإِسْلَام عِنْد دُخُوله إِلَى الدُّنْيَا كَمَا يلقن كلمة التَّوْحِيد عِنْد خُرُوجه مِنْهَا ، وَغير مستنكر وُصُول أثر التأذين إِلَى قلبه وتأثيره بِهِ وان لم يشْعر ، مَعَ مَا فِي ذَلِك من فَائِدَة أُخْرَى وَهِي هروب الشَّيْطَان من كَلِمَات الْأَذَان ، وَهُوَ كَانَ يرصده حَتَّى يُولد فيقارنه للمحنة الَّتِي قدرهَا الله وشاءها فَيسمع شَيْطَانه مَا يُضعفهُ ويغيظه أول أَوْقَات تعلقه بِهِ ، وَفِيه معنى آخر وَهُوَ أَن تكون دَعوته إِلَى الله وَإِلَى دينه الْإِسْلَام وَإِلَى عِبَادَته سَابِقَة على دَعْوَة الشَّيْطَان كَمَا كَانَت فطْرَة الله الَّتِي فطر عَلَيْهَا سَابِقَة على تَغْيِير الشَّيْطَان لَهَا وَنَقله عَنْهَا ولغير ذَلِك من الحكم([12]) .
    (قلتُ) : حديث الأذان ضعيف وله شواهد وإن كانت ضعيفة أيضًا ، إلا أنها تُخفِّفُ ضعفه ، فإن أُذِّن في أذن المولود فلا بأس ، ويُستأنس بقول الترمذي : "والعمل عليه" .. وأمّا أحاديث الإقامة فشديدة الضعف ، هذا إن لم تكن موضوعة ، لذا فلا يُقام في أذن المولود .

    تحنيك المولود
    التحنيك هو : مضغ التمرة جيدًا حتى تلين ، ثم وضعها في فم المولود ، ودلْك حَنَكه بها (أي منابت الأسنان) ..
    في الصحيحين عَنْ أَبِي مُوسَى ا قَالَ : (وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ ص فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ وَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ) .
    قال النووي : : اتفق العلماء على استحباب تحنيك المولود عند ولادته .
    في الصحيحين عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ب : أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ ، قَالَتْ : فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ ، فَأَتَيْتُ المَدِينَةَ فَنَزَلْتُ قُبَاءً ، فَوَلَدْتُ بِقُبَاءٍ ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ص فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا ، ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ ص ، ثُمَّ حَنَّكَهُ بِالتَّمْرَةِ ، ثُمَّ دَعَا لَهُ فَبَرَّكَ عَلَيْهِ ، وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإِسْلاَمِ ، فَفَرِحُوا بِهِ فَرَحًا شَدِيدًا ، لِأَنَّهُمْ قِيلَ لَهُمْ : إِنَّ اليَهُودَ قَدْ سَحَرَتْكُمْ فَلاَ يُولَدُ لَكُمْ .
    وأمّا وقت تحنيك المولود فيكون حين الولادة .. في صحيح مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ا قَالَ : ذَهَبْتُ بِعْبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ إِلَى رَسُولِ اللهِ ص حِينَ وُلِدَ ، وَرَسُولُ اللهِ ص فِي عَبَاءَةٍ يَهْنَأُ بَعِيرًا لَهُ (أي يطليه بالقَطِران) ، فَقَالَ : (هَلْ مَعَكَ تَمْرٌ؟) فَقُلْتُ : نَعَمْ ، فَنَاوَلْتُهُ تَمَرَاتٍ ، فَأَلْقَاهُنَّ فِي فِيهِ فَلَاكَهُنَّ ، ثُمَّ فَغَرَ فَا الصَّبِيِّ فَمَجَّهُ فِي فِيهِ ، فَجَعَلَ الصَّبِيُّ يَتَلَمَّظُهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ص : (حُبُّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ) وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللهِ .
    جاء في فتاوى اللجنة الدائمة : تحنيك المولود سُنّة ثبتت من فعله ص في حق مواليد بعض الصحابة ن ، وهذا يفيد العموم لأمته ص لقول الله سبحانه : ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)) ([13]) .

    التسمية
    في صحيح مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ص : (وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ ، فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ) .
    وجاء عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجة عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ ا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص قَالَ : (كُلُّ غُلَامٍ رَهِينٌ بِعَقِيقَتِهِ ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ ، وَيُسَمَّى) . صحيح ، صحّحه الألباني .
    قال ابن عثيمين : يُسمى المولود إمّا في يوم ولادته ، أو يُسمى في اليوم السابع .. فقد جاءت التسمية يوم الولادة من فعله ص حين سمى ابنه إبراهيم ، وجاء الأمر القولي منه ص بالتسمية يوم السابع([14]) .
    في صحيح مسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ ب قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ص : (إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللهِ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ) . ([15])
    وجاء عند أحمد وأبي داود من طريق عَقِيلِ ابْنِ شَبِيبٍ ، عَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجُشَمِيِّ ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص : (َأَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ) حسّنه الألباني ([16]).
    جاء في شرح السنة للبغوي :
    قيل: إنما صار الحارث وهمام من أصدق الأسماء من أجل مطابقة الاسم معناه ؛ لأن الحارث الكاسب ، يقال : حرث الرجل : إذا كسب ، قال الله سبحانه وتعالى : ((من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه)) .. وهمّام : من هممت بالشيء : إذا أردته ، وما من أحد إلا وهو في كسب أو يهمُّ بشيء . وإنما صار حرب ومرة من أقبح الأسماء لما في الحرب من المكاره ، وفي مرة من المرارة والبشاعة([17]) ..
    قال ابن عثيمين : : ما أضيف إلى الله أو إلى الرحمن فهو أحب الأسماء إلى الله : عبد الله وعبد الرحمن ، ثم ما أضيف إلى أي اسم من أسماء الله كعبد الرحيم ، وعبد الوهاب ، وعبد العزيز ، وعبد اللطيف ، وعبد الخبير ، وعبد البصير ، وما أشبهه([18]) .
    جاء عند مسلم عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ ا قَالَ : (وَلَا تُسَمِّيَنَّ غُلَامَكَ يَسَارًا ، وَلَا رَبَاحًا ، وَلَا نَجِيحًا ، وَلَا أَفْلَحَ ، فَإِنَّكَ تَقُولُ : أَثَمَّ هُوَ؟ فَلَا يَكُونُ ، فَيَقُولُ : لَا) قال الراوي : إِنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ فَلَا تَزِيدُنَّ عَلَيَّ .
    وعند مسلم أيضًا عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ب قال : أَرَادَ النَّبِيُّ ص أَنْ يَنْهَى عَنْ أَنْ يُسَمَّى : بِيَعْلَى وَبِبَرَكَةَ وَبِأَفْلَحَ وَبِيَسَارٍ وَبِنَافِعٍ وَبِنَحْوِ ذَلِكَ ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ سَكَتَ بَعْدُ عَنْهَا فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا ، ثُمَّ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَلَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ ، ثُمَّ أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ ، ثُمَّ تَرَكَهُ .
    قال الإمام النووي : : وأمّا قوله : فلا تزيدُن علي هو بضم الدال ، ومعناه : الذي سمعته أربع كلمات ، وكذا روايتهن لكم ، فلا تزيدوا عليّ في الرواية ، ولا تنقلوا عني غير الأربع ، وليس فيه منع القياس على الأربع ، وأن يُلحق بها ما في معناها .. قال أصحابنا : يُكره التسمية بهذه الأسماء المذكورة في الحديث وما في معناها ، ولا تختص الكراهة بها وحدها ، وهي كراهة تنزيه لا تحريم ، والعلّة في الكراهة ما بينه ص في قوله : (فإنك تقول أثمّ هو ، فيقول لا) ، فكرهه لبشاعة الجواب ، وربّما أوقع بعض الناس في شيء من الطِيَرة ، وأمّا قوله : أراد النبي ص أن ينهى عن هذه الأسماء فمعناه : أراد أن ينهى عنها نهي تحريم فلم ينهَ ، وأمَا النهي الذي هو لكراهة التنزيه فقد نهى عنه في الأحاديث الباقية ([19]).
    من هنا يتبيّن أنّ النهي للكراهة لا للتحريم ويدلُّ على ذلك أن النبي ص لم يُغيِّر من اسمه رباح ونحوه ، فقد كان للنبي ص غلام اسمه رباح ، ومولى اسمه يسار ، وسمى ابن عمر غلامه نافعاً .. وعِلّة الكراهة هو خوف التشاؤم والتطير كما نصّ الحديث ، فقد يُقال : هل في البيت نافع ؟ ولا يكون الشخص موجوداً ، فيقال : لا ، فيحصل التشاؤم بأنه ليس هناك ما هو نافع ([20])..
    وأضاف ابن القيم علة أخرى ، وهي أن المسمى بذلك إذا كانت صفاته مخالفة لاسمه ، ذمّه الناس كلما ذكروا اسمه فيقولون : ما هو بنافع بل ضار ، وما هو بصالح بل طالح وهكذا ([21])..
    (قلتُ) : لو قلنا بهذه القاعدة لتركنا الكثير من الأسماء من أجلها ، فنترك صالحًا ، ومحمودًا ، وفائزًا ، وحسنًا .. حتى لا يُقال : طالحًا ، ومذمومًا ، وخاسرًا ، وقبيحًا .. وقد سمّى نبي الله ص ابنه حسنًا ..
    وأمّا ما انتشر بين الناس : (خيرُ الأسماء ما عُبّد وما حُمِّد ) فقد قال عنه الألباني : لا أصل له كما صرّح به السيوطي وغيره ..

    الخِتَان
    في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ا عَنِ النَّبِيِّ ص قَالَ : (الْفِطْرَةُ خَمْسٌ - أَوْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ – الْخِتَانُ ، وَالِاسْتِحْدَادُ ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ ، وَقَصُّ الشَّارِبِ) .
    عند أحمد وابن ماجة عَنْ عَائِشَةَ ك عَنِ النَّبِيِّ ص قَالَ : (إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ) صحّحه الألباني .. فيه دلالة على أن الإناث يُختتن .
    قال ابن عثيمين : : الختان واجب في حق الرجال ، سُنّة في حق النساء ، ويُستحب أن يكون في اليوم السابع فما بعده ([22]).
    وفي فتاوى اللجنة الدائمة : ختان الطفل سُنَّة ، ولا يحرم تقديمه على اليوم السابع ولا يُكره ، ولا يحرم تأخيره عنه ولا يُكره ، والأمر في ذلك واسع ، مع مراعاة مصلحة الطفل ([23]) ..

    حلق رأس الذّكَر
    جاء عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجة عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ ا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص قَالَ : (كُلُّ غُلَامٍ رَهِينٌ بِعَقِيقَتِهِ ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ ، وَيُسَمَّى) . حديث صحيح ، صحّحه الألباني ..
    وجاء عند الترمذي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ا قَالَ : عَقَّ رَسُولُ اللَّهِ ص عَنِ الحَسَنِ بِشَاةٍ ، وَقَالَ : (يَا فَاطِمَةُ ، احْلِقِي رَأْسَهُ ، وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً) ، قَالَ : فَوَزَنَتْهُ فَكَانَ وَزْنُهُ دِرْهَمًا أَوْ بَعْضَ دِرْهَمٍ .. حسّنه الألباني .
    قال ابن عثيمين : : شعر المولود يحلق في اليوم السابع إذا كان ذكرًا ، وأما الأنثى فلا يُحلق رأسها ، وإذا حُلق شعر الرأس فإنه يُتصدق بوزنه فضة كما جاء في الحديث([24]) ...
    وقال : : وينبغي في اليوم السابع حلق رأس الغلام الذكر ، ويتصدق بوزنه ورِقاً أي : فضة ، وهذا إذا أمكن بأن يوجد حلاق يمكنه أن يحلق رأس الصبي ، فإن لم يوجد وأراد الإنسان أن يتصدق بما يقارب وزن شعر الرأس فأرجو ألاَّ يكون به بأس ، وإلا فالظاهر أن حلق الرأس في هذا اليوم له أثر على منابت الشعر ، لكن قد لا نجد حلاقاً يمكنه أن يحلق رأس الصبي ؛ لأنه في هذا اليوم لا يمكن أن تضبط حركته ، فربما يتحرك ثم إن رأسه لين قد تؤثر عليه الموسى ، فإذا لم نجد فإنه يتصدق بوزنه ورقاً بالخرص([25]).
    العقيقة
    قال ابن عثيمين : :
    المراد بالعقيقة شرعاً : الذبيحة التي تذبح عن المولود ، سواء كان ذكراً أو أنثى.
    وسُميت عقيقة ؛ لأنها تُقطع عروقها عند الذبح ، وهذه التسمية لا تشمل كل شيء ... فما سُمي لمعنى من المعاني فإنه لا يقاس عليه ما شاركه في هذا المعنى فيسمى بهذه التسمية ؛ ولهذا لا نقول الأضحية عقيقة ، ولا الهدي عقيقة ، ولا ذبيحة الأكل عقيقة مع أن سبب تسمية العقيقة بذلك موجود في هذه . وعند العامة تسمى العقيقة تميمة ، يقولون : لأنها تتمم أخلاق المولود ([26])...
    جاء عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجة عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ ا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص قَالَ : (كُلُّ غُلَامٍ رَهِينٌ بِعَقِيقَتِهِ ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ ، وَيُسَمَّى) . حديث صحيح ، صحّحه الألباني ..
    وجاء عند أحمد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللهِ ص عَنِ الْعَقِيقَةِ ؟ فَقَالَ : (لَا أُحِبُّ الْعُقُوقَ ، وَمَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَفْعَلْ ، عَنِ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافِئتَانِ ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ) صحّحه الألباني في الصحيحة .

    هل يُكره تسمية العقيقة بهذا الاسم ؟
    قال ابن القيم في تحفة المودود :
    كرهت ذلك طائفة ، واحتجوا بأن رسول الله ص كره الاسم فلا ينبغي أن يطلق على هذه الذبيحة الاسم الذي كرهه ، قالوا فالواجب بظاهر هذا الحديث أن يُقال لها نَسِيكة ولا يُقال لها عقيقة .. وقالت طائفة أخرى لا يُكره ذلك ورأوا إباحته ، واحتجوا بحديث سمرة "الغلام مرتهن بعقيقته" وبحديث سلمان بن عامر "مع الغلام عقيقته" .. ففي هذين الحديثين لفظ العقيقة ؛ فدلّ على الإباحة لا على الكراهة ...... قلت (ابن القيم) : ونظير هذا اختلافهم في تسمية العشاء بالعتمة وفيه روايتان عن الامام أحمد ، والتحقيق في الموضعين :كراهة هجر الاسم المشروع من العشاء والنسيكة والاستبدال به اسم العقيقة والعتمة ، فأما إذا كان المستعمل هو الاسم الشرعي ولم يُهجر وأطلق الاسم الآخر أحيانا فلا بأس بذلك وعلى هذا تتفق الأحاديث وبالله التوفيق([27]).
    (قلتُ) : رُبّما كره رسول الله ص أن يقول : يَعُقُّ ؛ لأنه من العقوق ، فأبدله بقوله : ينسك ، أمّا تسميتها عقيقة فليست بمكروهة ، وكيف يُسمِّيها رسول الله ص باسم مكروه كما جاء في الأحاديث الأخرى . والله أعلم .
    حكم العقيقة :
    قال ابن باز : : العقيقة سُنة مؤكدة وليست واجبة ، عن الذكر شاتان وعن الأنثى واحدة .. والسُّنة أن تُذبح في اليوم السابع ولو سقط ميِّتا ، والسُّنة أن يُسمَّى أيضا ، ويُحلق رأسه في اليوم السابع ، وإن سُمِّي في اليوم الأول فلا بأس ([28])...
    معنى كل غلام مرتهن بعقيقته :
    قال ابن عثيمين : : معنى قوله ص : "كل غلام مرتهن بعقيقته" أن الغلام محبوس عن الشفاعة لوالديه يوم القيامة إذا لم يُعَقَّ عنه أبوه ، هكذا فسره بعض أهل العلم ، وقال بعض العلماء : (مرتهن بعقيقته) يعني : أن العقيقة من أسباب انطلاق الطفل في مصالح دينه ودنياه ، وانشراح صدره عند ذلك ، وأنه إذا لم يعق عنه فإن هذا قد يحدث له حالة نفسية توجب أن يكون كالمرتهن ، وهذا القول أقرب ، وأن العقيقة من أسباب صلاح الولد ، وانشراح صدره ، ومُضيِّه في أعماله ([29]) .

    بعض أحكام العقيقة :
    قال ابن عثيمين : : حكم العقيقة حكم الأضحية في أكثر الأحكام ومنها :
    أولاً : أنه لا بد أن تكون من بهيمة الأنعام .
    ثانياً : أنه لا بد أن تبلغ السن المعتبرة ، وهو ستة أشهر في الضأن ، وسنة في المعز ، وسنتان في البقر ، وخمس سنين في الإبل .
    ثالثاً : أن تكون سليمة من العيوب المانعة من الإجزاء .
    وتخالف الأضحية في مسائل منها :
    أولاً : أن طبخها أفضل من توزيعها نِيَّة ؛ لأن ذلك أسهل لمن أُطعمت له .
    ثانياً : ما ورد أنه لا يكسر عظمها ، وهذا خاص بها . (قلتُ) : والصواب جواز ذلك .
    ثالثاً : لا يُجزئ فيها شرك في دم ، فلا يجزئ البعير عن اثنين ، ولا البقرة عن اثنين ، ولا تجزئ عن ثلاثة ولا عن أربعة ؛ لأنه لم يرد التشريك فيها ، والعبادات مبنية على التوقيف ، ولأنها فداء ، والفداء لا يتبعض ؛ فهي فداء عن النفس ، فإذا كانت فداء عن النفس فلا بد أن تكون نفساً ([30]).
    وقال : : في العقيقة فالشاة أفضل من البعير الكامل ؛ لأنها التي وردت بها السنة فتكون أفضل من الإبل ([31]).
    متى تُذبح العقيقة ؟
    جاء عند البيهقي من طريق ِإسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ا عَنِ النَّبِيِّ ص قَالَ : (الْعَقِيقَةُ تُذْبَحُ لِسَبْعٍ , وَلِأَرْبَعَ عَشْرَةَ , وَلِإِحْدَى وَعِشْرِينَ ) ([32])ضعّفه الألباني .
    وفي المستدرك عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ أُمِّ كُرْزٍ ، وَأَبِي كُرْزٍ ، قَالَا : نَذَرَتِ امْرَأَةٌ مِنْ آلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِنْ وَلَدَتِ امْرَأَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَحَرْنَا جَزُورًا ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ ك : (لَا بَلِ السُّنَّةُ أَفْضَلُ عَنِ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ ، تُقْطَعُ جُدُولًا ، وَلَا يُكْسَرَ لَهَا عَظْمٌ ، فَيَأْكُلُ وَيُطْعِمُ وَيَتَصَدَّقُ ، وَلْيَكُنْ ذَاكَ يَوْمَ السَّابِعِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي إِحْدَى وَعِشْرِينَ) ([33]) ضعّفه الألباني .
    في فتاوى اللجنة الدائمة برئاسة ابن باز : : العقيقة سنة مؤكدة ، عن الغلام شاتان تجزئ كل منهما أضحية ، وعن الجارية شاة واحدة ، وتذبح يوم السابع ، وإذا أخرها عن السابع جاز ذبحها في أي وقت ، ولا يأثم في تأخيرها ، والأفضل تقديمها ما أمكن ([34]) .
    قال ابن عثيمين : : يُسنُّ أن تُذبح في اليوم السابع ، فإذا ولد يوم السبت فتذبح يوم الجمعة يعني قبل يوم الولادة بيوم ، هذه هي القاعدة ، وإذا ولد يوم الخميس فهي يوم الأربعاء وهلم جرًّا .. والحكمة في أنها تكون في اليوم السابع ؛ لأن اليوم السابع تختم به أيام السنة كلها ([35])...
    وقال : : فالأفضل أن تكون في اليوم السابع .. قال العلماء : فإن فات اليوم السابع ففي اليوم الرابع عشر ، فإن فات ففي اليوم الحادي والعشرين ، فإن فات ففي أي وقت .. على أنه لا حرج أن يذبح العقيقة في اليوم السادس ، أو الخامس ، أو العاشر ، أو الثاني عشر ، لكن الأوقات المفضلّة هي - فقط - : السابع ، والرابع عشر ، والحادي والعشرين ([36]).
    (قلتُ) : الأقرب أن الأفضلية في اليوم السابع فقط ، وأمّا الرابع عشر والحادي والعشرين فالدليل عليها ضعيف ، لذا اختيار ابن باز أقرب .. ومن فاته السابع فالثامن أفضل من التاسع ، والتاسع أفضل من العاشر ... وهكذا ؛ لأن ذلك من المسارعة في الخيرات .. والله أعلم .

    هل تُكسر عظام العقيقة ؟
    قال ابن عثيمين : عن قولهم (لا تُكسر عظام العقيقة([37])) : ليس هناك دليل يطمئن إليه القلب في هذه المسألة ؛ ولهذا قال بعض أهل العلم : إنها تُفصَّل كما يُفصَّل غيرها بدون أن نأخذها عضواً عضواً ، والغريب أن بعض الناس قال : وينبغي أن تطبخ بالحلو أي يوضع فيها سكر تفاؤلاً بحلاوة أخلاق الطفل ، وهذا قول ضعيف ؛ لأنه ليس فيه دليل ، ومسألة التفاؤل لا ينبغي أن نتوسع فيها هذا التوسع([38]).

    توزيع لحم العقيقة :
    جاء في فتاوى اللجنة الدائمة برئاسة ابن باز : : وأما كيفية التصرف بلحم العقيقة فلم يأت عن النبي ص نص في ذلك ، لكن يكون التصرف فيها على نحو ما هو قريب منها من القربات وهو الأضحية ، فيهدي ويتصدق ويأكل ، ولو أكلها كلها أو تصدق بلحمها كلها فلا حرج في ذلك ([39]).

    هل يجوز ذبح واحدة عن الذكر ؟
    قال ابن عثيمين : : وإذا كان الإنسان غير واسع اليد ، وعق عن الذكر بواحدة أجزأ ذلك([40]) .

    هل تسقط العقيقة عن الفقير ؟
    قال ابن عثيمين : : إن كان أبوه فقيرًا وقت مشروعية العقيقة فلا شيء عليه ولو اغتنى فيما بعد ، كما أن الرجل لو كان فقيرًا لا زكاة عليه ولو اغتنى فيما بعد ، فتسقط العقيقة لعدم القدرة عليها ، وأما إذا كان غنيًّا وأخر العقيقة ، فهذا يعق ولو كبر الولد([41]) .
    (قلتُ) : ربّما الأقرب أنه لو اغتنى فيما بعد وأحب أن يذبح عقيقة ولده فله ذلك لعموم حديث : (... وَمَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَفْعَلْ ، عَنِ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافِئتَانِ ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ) رواه أحمد وصحّحه الألباني ..

    لو لم يذبح الأب عقيقة ولده ، فهل يُشرع للولد أو لأحد أقاربه ذبحها ولو بعدما يكبر ؟
    قال ابن باز : : لا مانع من أن يعق عن نفسه ؛ أخذًا بالحيطة ، ولأنها قربة إلى الله سبحانه ، وإحسان إلى المولود ، وفك لرهانه ، فكانت مشروعة في حقه وحق أمه عنه وغيرهما من أقاربه . والله ولي التوفيق([42]).

    العقيقة عن السِّقط :
    قال ابن عثيمين : :
    من سقط من بطن أمه قبل أن يتم له أربعة أشهر : فهذا لا يُعقُّ عنه ولا يُسمى ..
    ومن سقط بعد أربعة أشهر ميتًا : فإنه يُغسَّل ويُكفَّن ويُصلَّى عليه ، ويُسمَّى ويُعقُّ عنه ..
    ومن سقط حيًّا وبقي يوم أو يومين ومات قبل السابع : فهو كذلك أيضا يُغسَّل ويُكفَّن ويُصلَّى عليه ويُدفن في المقابر مع الناس ، ويُعقُّ عنه ..
    ومن بقي إلى اليوم السابع ثم مات بعده : فإنه يُغسَّل ويُكفَّن ويُصلَّى عليه ، ويُدفن مع المسلمين ، ويُسمَّى ويُعقُّ عنه ([43]).
    جعل الذبيحة الواحدة أضحية وعقيقة أو أضحية ووليمة ؟
    قال ابن عثيمين : : لا يجوز ذلك ؛ لأنه لما عينها للأضحية لها ، فلا يجوز صرفها في غيرها ، بل ولا إبدالها بغيرها ، إلا أن يبدلها بخير منها .. وكذلك لو لم يعين الأضحية وأراد أن يجمع في شاة واحدة أضحية ووليمة فلا يجوز ذلك ، وإن كان قياس كلام ابن القيم جواز ذلك ، حيث أجاز: الجمع بين نية الأضحية والعقيقة في شاة واحدة ، وفي كلامه نظر ، لاختلاف الحكم بين الأضحية والعقيقة ، واختلاف السبب أيضا ، فالصحيح عدم الجواز في الجمع بين نية الأضحية والعقيقة ، وكذلك بين نية الأضحية والوليمة([44]) .

    الاستقراض للعقيقة :
    قال ابن عثيمين : : الاستقراض من أجل العقيقة يُنظر إذا كان يرجو الوفاء كرجل موظف لكن صادف وقت العقيقة أنه ليس عنده دراهم فاستقرض من أحد حتى يأتي الراتب ، فهذا لا بأس به ، وأما إذا كان لا يرجو الوفاء ليس له مصدر يرجو الوفاء منه فهذا لا ينبغي له أن يستقرض ، قال الإمام أحمد : في العقيقة : يقترض يخلف الله عليه ، لأنه أحيا سنة ، لكن يُحمل كلامه على ما ذكرت على التفصيل ([45]).

    هل يجوز توزيع ذبح الشاتين عن الغلام ؟
    جاء عند أبي داود عَنْ أُمِّ كُرْزٍ الْكَعْبِيَّةِ ك قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ : (عَنِ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ) قَالَ أَبُو دَاوُدَ : سَمِعْت أَحْمَدَ قَالَ : مُكَافِئَتَانِ : أَيْ مُسْتَوِيَتَانِ أَوْ مُقَارِبَتَانِ . صحّحه الألباني .. والحديث عام سواء ذُبحتا في وقت واحد أو فُرِّق ذبحهما ، على أنّ ذَبْحهما في وقت واحد هو الأفضل ، لأن ذلك من المسارعة في الخيرات . والله أعلم .



    هل لا بد أن تكون الشاتان متقاربتين ؟
    الأفضل أن تكونا متقاربتين ، ولو لم يذبح متقاربتين لأجزأ .
    جاء في فتاوى اللجنة الدائمة برئاسة ابن باز : : السنة أن يذبح عن الغلام شاتان مكافئتان ، وعن الأنثى شاة واحدة ؛ لما ثبت عن عائشة ك ، عن النبي ص أنه قال : (عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة) رواه أحمد والترمذي وصححه ، وعن ابن عباس ب : «أن رسول الله ص عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا) رواه أبو داود والنسائي ، وقال : (بكبشين كبشين) ، هذا هو الأفضل ، وأما الإجزاء فيحصل بما يجزئ أضحية([46]) .

    ما يُقال عند ذبح العقيقة ؟
    جاء عند البيهقي وفي مسند أبي يعلى ومصنف عبد الرزاق من حديث عَائِشَةُ ك : قال ص : (اذْبَحُوا عَلَى اسْمِهِ وَقُولُوا : بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ ، هَذِهِ عَقِيقَةُ فُلَانٍ) ..
    قال ابن القيم : بعدما ذكر هذا الحديث : قال ابن المنذر وهذا حسن ، وإن نوى العقيقة ولم يتكلم به أجزأه إن شاء الله .. وقال الخلّال : باب ما يقال عند ذبح العقيقة حدثنا أحمد بن محمد بن مطر وزكريا بن يحيى أن أبا طالب حدثهم أنه سأل أبا عبد الله : إذا أراد الرجل أن يعق كيف يقول ؟ قال : يقول بسم الله ، ويذبح على النية كما يضحي بنيته ، يقول : هذه عقيقة فلان بن فلان([47]) .

    هل تُذبح العقيقة لمن غيّر اسمه ؟
    العقيقة مشروعة للمولود لا للاسم ، لذا من غيّر اسمه فلا يذبح عقيقة ..
    قال ابن عثيمين : : تغيير الاسم إلى ما هو مباح أحسن إذا تضمن أمرا لا ينبغي ، كما غير النبي ص بعض الأسماء المباحة ، ولا يحتاج ذلك إلى إعادة العقيقة كما يتوهّمه بعض العامة([48]) .

    هدايا المولود :
    قال ابن عثيمين : : الهدايا التي تُهدى للمولود أول ما يولد هي ملك له ، والأم ليس لها ولاية على ولدها مع وجود أبيه ، وعلى هذا فلا يحل لها أن تتصرف فيها إلا بإذن أبيه ، فإذا أذن فلا بأس ، وسواء كان المولود بنتًا أو ابنًا الحق في المال للأب لا للأم([49]) .

    خاتمة
    هذا ما تيسّر جمعه ، أسأل الله أن ينفع به ، وأن يجعله حُجة لنا لا علينا ، وأن يُصلح لنا النيّة والذرية ، ولسائر المسلمين ، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل .. وأرجو ممّن وجد ملاحظة أن يُخبرني بها ، والله أعلم وأحكم ، وصلِّ اللهم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
    أبو عبد العزيز
    14/12/1433 هـ


    ([1]) لعل مستندهم في ذلك هو : كتاب حصن المسلم ، ذلك الكتاب العظيم الذي نفع الله به المسلمين ، ولكن لو أنّه بُيّن فيه أن هذا الدعاء ليس واردًا عن النبي ص لكان أفضل .. نعم مؤلّفه أحال إلى كتاب الأذكار للنووي ، ولكن أكثر الناس لا يرجعون إلى ذلك ..

    ([2]) قال الألباني : الحديث مرسل إسناده صحيح .

    ([3]) صحّحه الالباني مرسلاً في أصل صفة الصلاة .

    ([4]) صحّحه الألباني في صحيح الجامع .

    ([5]) صحّحه الألباني في صحيح الجامع .

    ([6]) تحفة المودود في أحكام المولود (1/28) .

    ([7]) في بعض النسخ : (رُشْده) .

    ([8]) قال الألباني : فيه عاصم بن عبيد الله اتفقوا على تضعيفه .. وقد كان الألباني حسّن الحديث لأن له شاهدًا عند البيهقي انظر إرواء الغليل (4/401) ، ثم تراجع عن تحسينه ، حيث قال : والآن وقد طبع - والحمد لله - كتاب البيهقي : "الشعب "، ووقفت فيه على إسناده ، وتبين لي شدة ضعفه ؛ فقد رجعت عن التحسين المذكور، وعاد حديث أبي رافع إلى الضعف الذي يقتضيه إسناده .. انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة (13/272) .. لذا فالألباني : لا يرى مشروعية الأذان في أذن المولود للضعف الشديد للحديث ، والإقامة أشد ضعفًا .
    (قلتُ) وشاهده عند البيهقي حديث ابْنِ عَبَّاسٍ ب أَنَّ النَّبِيَّ ص : أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ يَوْمَ وُلِدَ ، فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى ، وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى . في إسناده الحسن بن عمرو بن سيف السدوسي ، اتّهمه علي ابن المديني والبخاري بالكذب ..

    ([9]) الموقع الرسمي لابن باز.. فتاوى نور على الدرب ط*ظƒظ… ط§ظ„ط£ط°ط§ظ† ظˆط§ظ„ط¥ظ‚ط§ظ…ط© ظپظٹ ط£ط°ظ†ظٹ ط§ظ„ظ…ظˆظ„ظˆط¯ |

    ([10]) فتاوى ابن عثيمين (25/242) .

    ([11]) قال الألباني : وهذا إسناد موضوع , آفته يحيى بن العلاء أو شيخه مروان بن سالم , فإن أحدهما شر من الآخر..

    ([12]) تحفة المودود في أحكام المولود (1/30) .

    ([13]) فتاوى اللجنة الدائمة -2 (10/471) برئاسة الشيخ ابن باز : .

    ([14]) فتاوى ابن عثيمين (25/240) .

    ([15]) قال الألباني : : قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في " مجموع الفتاوى " (1/379) : " وقد ثبت في " صحيح مسلم " عن نافع عن عبد الله بن عمر أن النبي ص قال : أحب الأسماء إلى الله عبد الله , وعبد الرحمن , وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حرب ومرة ".. وهذا من أوهامه رحمه الله , فإنه كان يكتب من حفظه , قلما يراجع كتابا عندما يكتب , فإن حديث ابن عمر في " صحيح مسلم " كما قال , لكن دون قوله: " وأصدقها ... " الخ.. وإنما هذه الزيادة في الحديث لأبى وهب الجشمي هذا , ولا تصح كما علمت , فاقتضى التنبيه. (إرواء الغليل 4/409) .

    ([16]) قال الألباني : : وهذا إسناد ضعيف من أجل عقيل بن شبيب , قال الذهبي : " لا يعرف هو ولا الصحابي إلا بهذا الحديث ". وقال الحافظ : " مجهول ". وللحديث شاهد مرسل رواه ابن وهب في " الجامع " إسناده مرسل صحيح ، رجاله ثقات رجال مسلم .. وقد أخرجه ابن وهب أيضا من رواية عبد الله بن عامر اليحصبي عن النبي ص مرسلا وإسناده صحيح أيضا . (الصحيحة 3/33) .

    ([17]) شرح السنة (12/334) .

    ([18]) فتاوى ابن عثيمين (25/275) .

    ([19]) شرح صحيح مسلم (14/118) .

    ([20]) قال ابن القيم : وفي معنى هذا مبارك ومفلح وخير وسرور ونعمة وما أشبه ذلك فإن المعنى الذي كره له النبي ص التسمية بتلك الأربع موجود فيها ، فانه يقال : أعندك خير أعندك سرور أعندك نعمة ، فيقول : لا . فتشمئز القلوب من ذلك وتتطير به وتدخل في باب المنطق المكروه . (تحفة المودود 1/116) ..

    ([21]) ذكره الشيخ المنجد في موقع الإسلام سؤال وجواب طھط³ظ…ظٹط© ط§ظ„ظ…ظˆظ„ظˆط¯ ط¨ظ†ط§ظپط¹ ظˆط±ط¨ط§ط* ظˆظ…ط¨ط§ط±ظƒ - islamqa.info

    ([22])فتاوى ابن عثيمين (25/241)

    ([23])فتاوى اللجنة الدائمة -1 (5/131)

    ([24])فتاوى ابن عثيمين (25/215)

    ([25])الشرح الممتع (7/495)

    ([26])الشرح الممتع (7/490)

    ([27])تحفة المودود (1/54)

    ([28])فتاوى ابن باز (18/48) وقال الأحناف بأنها بدعة ، لحديث : (لا أحب العقوق) ، ولكن الصحيح أن الكراهة للاسم لا لما يُذبح .. وقال أهل الظاهر بوجوبها للأمر بها .

    ([29])فتاوى ابن عثيمين (25/207)

    ([30])الشرح الممتع (7/500)

    ([31])الشرح الممتع (7/493) مع بعض التصرُّف .

    ([32])قال الهيثمي في مجمع الزوائد ( 4 / 59 ) : رواه الطبراني في " الصغير " ، و" الاوسط " ، وفيه إسماعيل بن مسلم المكي ، وهو ضعيف لكثرة غلطه ووهمه .. وقد صحّحه الألباني في صحيح الجامع من غير تفصيل .. ثم ضعّفه في الإرواء بالتفصيل حيث قال عن إسماعيل بن مسلم المكي : ضعيف بل تركه بعضهم ..
    لذا فالراجح ضعف الحديث ، وإذا كان للشيخ الألباني : اجتهادان في الحديث ، فالأظهر منهما ما بين فيه حجته وفصل قوله فيه ، وهو قوله بتضعيف الحديث ، لا سيما وهو المتأخر منهما .

    ([33])قال الذهبي : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ .
    قال الشيخ الألباني : : ظاهر الإسناد : الصحة ، ولكن له عندي علتان :
    الأولى : الانقطاع بين عطاء وأم كرز .. والأخرى : الشذوذ والإدراج ، فقد ثبت الحديث عن عائشة من طريقين ، وليس فيهما قوله : " تقطع جُدُولاً ... " ، فالظاهر أن هذا مدرج من قول عطاء ." إرواء الغليل " ( 4 / 369 ) .
    ومعنى جُدُولاً : أعضاءً .

    ([34])فتاوى اللجنة الدائمة -1 (11/439)

    ([35])الشرح الممتع (7/424)

    ([36])فتاوى ابن عثيمين (25/215)

    ([37])وهو قول الشافعي وأحمد , وخالف مالك .

    ([38])الشرح الممتع (7/499)

    ([39])فتاوى اللجنة الدائمة -2 (10/457)

    ([40])فتاوى ابن عثيمين (25/216)

    ([41])فتاوى ابن عثيمين (25/223)

    ([42])فتاوى ابن باز (26/266) ، أمّا ابن عثيمين فيرى أن المخاطب بالعقيقة هو الأب فلا شيء على الأم ولا أولادها .

    ([43])الشرح الممتع (25/225) وتُنْفَخُ الرُّوح فيه إِذا تَمَّ له أربعة أشْهُرٍ..

    ([44])فتاوى ابن عثيمين (25/107)

    ([45])فتاوى ابن عثيمين (25/211)

    ([46])فتاوى اللجنة الدائمة -1 (11/438)

    ([47])تحفة المودود في أحكام المولود (1/93)

    ([48])فتاوى ابن عثيمين (10/850)

    ([49])فتاوى ابن عثيمين (25/211)
     
  2. C.E.O

    C.E.O Administrator

    رد: احكام المولود بالتفصيل

    رائع جدا اخى الكريم
    اشكرك