تعدُّ الشموع نوعاً من أنواع النذور التي يهتم بها الناس كثيراً، والتي رافقتهم لفتراتٍ طويلة من الزمن، وقد كان للشمعة حضور فعال في روحانية الحضارات منذ نشوئها، إذ لا تكاد المعابد على اختلاف أنواعها وأشكالها تخلو من أنوار الشموع وأضوائها، إلا أن معنى الشمعة المضاءة في الحضارة الإسلامية له عُمق وجمال مختلف، فالمقامات والجوامع والمساجد لا تنقطع مطلقاً من أنوار هذه الشموع، التي تحمل الدعاء والصلوات المستمرة والاستغفار وطلب الرضا. ألوان الشموع والدلالات وتضيف بعض الدراسات العلمية موضحةً، بأنه قد يكون للون الذي يُضاف للشمعة أثرٌ بالغ في الجو الإيجابي الذي تنشره الشمعة المضاءة، منطلقين من مبدأ أن التقاء ذبذبات اللون مع النور المنبثق، سيشكلا معاً أثيراً مهماً لمن يقصد أجواءً روحانية أو مقاصد وغاياتٍ أخرى، فمثلاً: الشمعة البيضاء ترمز إلى النقاوة والطهارة والصدق، وتنشر جوّاً من السلام والطمأنينة، ولذلك يُنصح باستخدامها أثناء الصلاة والطلب والخشوع. أما الشمعة الزرقاء فهي للهدوء والتفاهم والانسجام، وتخفيف التوتر، إذا كانَ المرءُ في حالةٍ من العصبية والانفعال الزائد، وغير قادر على التخلص منها كما هو معتاد. أما الشمعة الصفراء، أو الشمعة ذات اللون الذهبي، فهي تعني الحماية والثقة، وزيادة القناعة فيما تعمل وتشتغل، وإبعاد حالة الشك، ويمكن أن تكون إضاءتها لزيادة عامل الجاذبية لدى المرء تجاه من يحبّ. أما الشمعة الحمراء فترمز للقوة والحيوية، والنشاط، والحبّ والشجاعة، وتضاء هذه الشمعة للانطلاق في الحياة وممارسة النشاطات دون خجل أو تراجع، فهي للشخص الحيوي والمقدام. والشمعة البنفسجية أو الشمعة ذات اللون النيلي، فتستخدم لحالات الشفاء من المرض، وطلب الصحة والتعافي، وأيضاً من أجل سلام الروح، وحتى يحلّ السلام في مكان السكن والمكوث، وتضاء أيضاً للأشخاص ذوي الأمراض النفسية والعصبية. والشمعة الخضراء هي للخصب والبركة وزيادة الرزق والمال، وكثيراً ما ينصح بها في أماكن العمل ومكاتب الشغل، وأثناء توزيع المال بقصد الزكاة. أما الشمعة ذات اللون الزهري، فهي للسمعة الجيدة وإبعاد الشبهات، وإحلال جو الصداقة والتفاهم بين الناس، وقد يكون لها أثرٌ في التنازل عن المواقف المتعنتة والمؤذية. الحقول الطاقية أو «الترستيونية» «الرأي» التقت د. تاتيانا سطاس المجازة الدولية في الأمراض النسائية والتوليد والعقم والطب البديل، والتي حدثتنا عن الشمعة وأثرها في حياتنا كصائمين، أو في حالة الدعاء والتأمل فقالت: كل شيء في هذا الكون يدور، فالشمس تدور والأرض كذلك، وكل الأفلاك في السماء أيضاً، وقد دلتنا الدراسات على وجود حقول من الطاقة تدور أيضاً حول جسم الإنسان وكأنه محورٌ لها، وهذه الحقول الطاقية أو «الترستيونية» تسجل كل أعمال الشخص وأفكاره ونواياهُ، وكذلك تسجل الكلام الذي ينطقه الشخص، وعندما نشعل شمعة أثناء الدعاء أو التأمل تزداد الطاقة وحركة الأثير والبلازما، وتتسارع حالة الدوران في هذه الحقول «الترستيونية» الطاقية، وتسجل كل ما يدعوه الشخص لترتفع به إلى الأعلى، فإضاءة الشمعة أثناء الدعاء يعطي طاقة سليمة ودورانية سريعة المفعول، وتصل إلى الله سبحانه وتعالى بسرعة. وعندما سألنا د. تاتيانا عن أهمية اللون بالنسبة للشمعة قالت: لون الشمعة برأيي غير ضروري، بل الأهمية تكمن في نار الشمعة وإضاءتها مهما كان لونها. ما بين اللونين الطبيعي والصنعي من جانبٍ آخر، وإذا عدنا لموضوع اللون وارتباطه بأشيائنا وأغراضنا التي نستخدمها في الحياة، كالملابس والأثاث والحقائب والدفاتر وغيرها، سنجد بأن اللون الذي نأخذه من الطبيعة هو اللون الذي ينشر ذبذبة نظيفة ونقية وتتوافق مع جسد الإنسان، على عكس الألوان الصنعية المأخوذة من أمزجة كيميائية وخلائط غير طبيعية، وبالتالي قد يكون اللون الطبيعي الممتزج مع مادة الشمع هو الذي يفيد الناس في حالة الدعاء والطلب، وإلا فقد تكون الأغراض التجارية والمقاصد الربحية، هي ما يدفع الناس لتلوين الشموع ونشر مثل تلك الدراسات في استخداماتها، فعلينا أن نتوخى الحذر في كل ما نقرأ حتى لا نقع فريسة الخطأ، وفي بعض طرق الترويج التي تجعل الناس راغبين أكثر في شراء الشمع، هو إضافة عطور ذات رائحة زكية، أو ما يدعى بـ«الزيوت العطرية» والتي يتم خلطها ودمجها مع المادة الشمعية، وعندما يبدأ الشمع بالذوبان بعد إشعال الشمعة تفوح الرائحة الجذابة، وهنا يجب أن نعلم أيضاً بأن العطر إذا كان صناعياً فإنه لن يدعم الجو الروحي الذي يبتغيه الشخص العابد أو المصلي أو المتأمل، أما إذا كان للزينة أو مقاصد أخرى فلا بأس فيها! أثر الشموع في المساجد والجوامع وقد التقت «الرأي» العلاّمة د. عبد الرزاق المؤنس الذي حدثنا عن أثر الشموع في المساجد والجوامع فقال: في عهد النبي «ص» قام أحد الصحابة وهو الصحابي تميم الداري، بإسراج السراج في المسجد، إذ أنه أحضر وعاءً ووضع فيه زيتاً أو مادة بترولية، ووضع فيها فتيلاً وأشعل النار فيه ليضيء المسجد طوال الليل، وكما هو معلوم فإن المساجد والجوامع في ذلك الوقت كانت مشغولة بالناس والمصلين في الليل أكثر من النهار لأداء الفرائض والصلاة والتعبد، وتلك الحادثة كانت فريدة وجديدة في عصر الرسول، وقد قال النبي «ص» في ذلك: «نَوّرَ الله قبرك يا تميم كما نَوّرتَ مساجدنا» وطبعاً كانت الإضاءة تعتمد على الزيت، أي المادة التي تغذي الشعلة التي تنير المكان، ومع مرور الوقت وربما كان ذلك في العصر الأموي أو العباسي، بُدء باستخدام المادة الشمعية، وحتى يطول عمر الشمعة بدؤوا يصنعونها بحجمٍ كبير فبدت ضخمة وكبيرة، وأكثر مساجد دمشق فيها من هذه الشموع، ولكن في وقتنا هذا لم يعد لهذه الشموع الضخمة دورٌ أساسي، خاصةً وأن الكهرباء أصبحت هي ما يعتمد عليه في وقتنا الحالي في الإنارة، ومع الأسف أهملت هذه الشموع ووضعت في المستودعات، أما في الجامع الأموي فهي معروضة للآن فيه لكنها كرمز فقط، وسابقاً كان سادن المسجد يضيئها للمصلين. وعن دور الشمعة في حياتنا الدينية قال المؤنس: الشمعة في المسجد لها بعد روحي، كونها تنير المكان، فيرتبط نورها مع روح المصلي والعابد، وعلى الرغم من استبعادها من حياتنا نوعاً ما نتيجة للإضاءة بوسائل الكهرباء، إلا أن الأماكن البعيدة والنائية لا زالت تضاء بها، وبالسراج والمصابيح القديمة، وحالياً بدأت الناس تستخدم الشموع كنوع من الترف والرفاهية، فنجدها في المطاعم والفنادق على الطاولات الفخمة وغيرها، لكن في الحقيقة فإن النور يؤثر على نفسية الإنسان، فمثلاً إذا كان الشخص متوتراً وقمنا بإطفاء الأنوار الكهربائية من حوله ووضعنا له أنوار الشموع، فإن النور سيؤثر على نفسيته بانعكاسٍ إيجابي، ومن خلال تأمله لها سيهدأ وتبدأ حالة التوتر بالزوال تدريجياً. وأضاف المؤنس بأن للشمع دور في المعالجة النفسية، فمنه يأتي السلام للنفس، فهو يحررها من أزمة اشتداد الشحنات العصبية، ليعطيه توازناً في الاسترخاء الذي هو شفاءٌ لما لا يستطيع المرء تحمله من هذه الشدّة العصبية، ولهذا الكلام سرٌّ في الشفاء دليله في القرآن الكريم، من حيث أن الشمع يصنعه النحل الذي أخبرنا الله عزّ وجلّ بأن النحل «يخرج من بطونها شرابٌ مختلفٌ ألوانه فيه شفاءٌ للناس» وكلمة الشفاء هذه مطلقة وليس فيها أي قيد يجعلها خاصة بالأبدان بل هو شفاءٌ مطلق، ومن هنا يتبدى لنا بأن الشمع فيه بركة، في هذه الحالة التي تعني أنساً للإنسان، ومجلسه النظيف. قواعد إضاءة وإطفاء الشموع وأثناء مطالعتي لأحد الكتب تمكنت من استخلاص بعض الأفكار المتعلقة بقواعد إضاءة وإطفاء الشموع، إذ يفضل أن تُضاء الشمعة من شمعة مضاءة قبلها، أما إطفاءها فيجب أن يكون بحجب الهواء عنها من خلال وضع كأس عليها مثلاً ويفضل عدم النفخ عليها مباشرةً. إن رمز الشمعة قوي جداً في بلادنا حتى أن المساجد الكبيرة تحتوي على شموع ضخمة لا يزال استخدامها قائماً إلى اليوم كما في الجامع الأموي في دمشق، وهي إن كانت ذات معنى رمزي فهي مهمة جداً وتدل على بعد روحاني راق يعبق في المكان الذي يحتويها، فالعلاقة بين النور الذي يشع منها وبين حالة التواصل مع الله سبحانه وتعالى علاقة وطيدة وثابتة عبر مسيرة الحضارات الإنسانية كلها، ولنتذكر قوله تعالى: «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ». إشعال شمعة في مفهوم الطب والعلاج بين الماضي والحاضر لماذا نخاف من المرض ونرتعد من بعض أنواعه مسيرة حياة الإنسان؟نواع متعددة للعلاج: بالفكرة، ومن خلال «الخارطة الفلكية» وعبر طرق أخرى كثيرة بتنا نمتلك مخزوناً معرفياً كبيراً، نفهم من خلاله آلية تطور الفكر وتقبل الظروف من حولنا. فالحضارات البشرية التي ظهرت على الأرض، تركت لنا أفكارها ومعارفها. واليوم، نحاول أن نسلط الضوء على مقارنة مهمة جداً، بين مفهومي: الطبّ الحديث والطبّ القديم، من حيث أن الإنسان كان يعالج نفسه بطريقة مختلفة تماماً عن العلاج في الوقت الحاضر، وبحيث بات الافتراض لدى معظم الناس، أن الطبّ الحديث بتقنياته الكثيرة لو كان ناجحاً وناجعاً فعلاً، لتناقص عدد المرضى وليس العكس كما نشهد في واقعنا الذي نعيشه، ونلاحظ اليوم أيضاً اتجاهاً جديداً أكثر تميزاً، وهو عودة بعض الأطباء والمستكشفين للبحث في الطرق القديمة للحضارات، وكشف طرق العلاج التي اتبعوها ومفاهيم الطبّ، وتطويرها للوصول إلى حالة انسجام متجددة مع الزمن الذي نحن فيه. في الماضي ومنذ زمن أبقراط «أبو الطب» أي قبل الميلاد بـ 4000 عام، كان الناس يدركون أن المرض دائماً يحمل معلومة مفيدة ترتقي بنا لتصحيح مساراتنا في الحياة، فإصابة الإنسان أيّاً كان بمرضٍ ما يحمل معنى مهماً جداً له، ولن يشفى هذا الإنسان إلا بعد أن يفهم المغزى من المرض، ودون ذلك لا شفاء حقيقي